أفتح عينيّ صباحاً لأتساءل: لماذا عليّ أن أنهض؟ تتشابه أيامنا ولا تكاد تختلف تحركاتُنا، اليومُ نسخةُ الأمس والغدُ توأمُ اليوم. أحياناً نحاول أن نخلق التغيير، أفكّر بحماس بالالتحاق بنادي الرماية، وألتحق، لكن سرعان ما يغلبني السأم فأنسحب! أحضر معرض الكتاب وأشتري كتباً كثيرة جذبني سحرُ عناوينِها وأسماءِ مؤلفيها وربما مواضيعُها التي شدّتني، لتبقى في نهاية المطاف لصيقةَ الرفوف! لماذا لا نكمل ما بدأناه؟! ألم تكن بداياتنا صحيحة؟
أسمعُ البعض يقول: "أحلم بكذا" ويرفعُ رأسه إلى السماء منتظراً بلوغَ المُنى، وآخر يقول: "بدأتُ تحقيقَ حلمي" وهو مفعمٌ بالطاقة، ومنهم من تعلوه السعادة والراحة حين يقول: "هذا حلم الطفولة" بعد أن نالَ مبتغاه، ما الذي جعل أيامهم تنبض بالحياة؟! أهو الحلم؟ أنا أيضاً أحلم!.
فلماذا لا أشبههم؟ لماذا أحيا حياة الأموات؟! أما من مفتاح يخلّصني من هذه العشوائية التي أعيشها؟!
"لماذا" هي البداية
كرّرتُ تجربة نادي الرماية، لكن هذه المرة سألتُ نفسي قبلها: "لماذا سألتحق بنادي الرماية؟"، فكان الجواب: لأمارسَ هوايةً أحِبُّها وأطوّرَ نفسي إلى أن أحرز لقب "الرامي الأول" في وطني، وبحماسي المعهود انضممتُ للنادي.
هذه المرة اختلف الأمر تماماً!! فهمّتي لم تضعف بمرور الأيام! بل كانت في تنامٍ، بتُّ أقرأ عن فنون الرماية، وأسأل القدامى من اللاعبين والمدربين، صار ليومياتي لونٌ وطعم. نبضَتْ حياتي حين حددتُّ هدفي.
حياةٌ في خطوة
الهدف يعطيك رؤيةً واضحةً للحاضر والمستقبل، وهذا يشمل الأهداف الصغيرة كالهدف من أقوالنا وأفعالنا وأفكارنا، كما يشمل الأهداف الكبيرة كالهدف من وجودنا في هذا العالم.
1. المخلّص:
الهدف يخلصك من شباك الحزن، ألا ترى الكثيرين حبيسي آلام الماضي وذكرياته الموجِعة؟ لو أنهم سألوا أنفسهم في كل مرة: "لماذا نفكر بما يضر ولا ينفع؟" و"ما الهدف من هذه الأفكار؟" لتمكّنوا من تحرير أنفسهم من سجن الماضي الغابر.
2. المحامي:
في لحظة انفعال نتلفظ بكلمةٍ تهدم صداقةً دامت سنوات، ولو سألنا أنفسنا قبلها: "لماذا سأتكلم؟" لانتقينا المناسب من طرق الحوار والألفاظ الطيبة. معرفة الهدف والعمل بما يقتضيه يحميك ويحمي علاقاتك.
3. الداعم والملهِم:
حين كنتُ في الابتدائية، كنت أحلم بأن أصبح مهندس حاسوب، يعرف كل ما يتعلق بالحواسيب من تقنيات وأسرار، هدفي دعمني حتى تخرّجتُ من كلية الهندسة وصار حرف الميم مرافقاً لإسمي. قلائلُ هم الذين لا يفشلون في دراستهم بلا هدف، إلا من تدارك نفسه قبل أن يهوي في دوامة الإخفاق.
4. الناصر والأنيس:
حين كنتِ تقولين لهم سأصبح أكبر طبيبة جراحة في المنطقة، كانوا يسخرون منكِ بقولهم: "أنتِ لا تجيدين كتابة جملة واحدة باللغة الانجليزية وتقولين [أكبر] جرّاحة!!" ويبدأون بالقهقهة الساخرة، أحسستِ بأن كلامهم صحيح؟ الإحباط كان يتغلغل بين ضلوعك، لكنكِ وضعتِ هدفكِ نصب عينيك، آنسكِ، نصرَكِ، تحمّلتِ المشقة لأجله ونجحتِ في النهاية جرّاحَتنا المتألقة.
بمعرفتك لهدفك في كل شيء، ستودّع الروتين ستودّعالتعاسة وداعَ ضائعٍ وجدَ نفسه.. وجدَ سعادَته.
انتخبتُ أ..
قبل أن تحدد الداعي أو الهدف، انتبه لثلاثة أمور:
الأول: وضوح الهدف.
حددتُ لنفسي هدفاً هو: تعلم الطبخ، في الحالة الأولى أذهب إلى البقالة لأشتري الأطعمة المتنوعة، ثم أختار الطبخة.
في الحالة الثانية اخترت هدفاً واضحاً وهو تعلم طبخة ورق العنب، ثم ذهبت واشتريت ما أحتاجه.
حين حددتُّ هدفاً واضحاً وفّرتُ على نفسي الوقت والجهد؛ فلم ينقصني شيء ولم أشترِ طعاماً لا أحتاجه في طبختي، لذلك كن واضحاً في أهدافك.
الثاني: الداعي التام.
حين نسأل أنفسنا: "لماذا" أو "ما الداعي"، غالباً تكون أمامنا إجابات كثيرة ومتفاوتة، اليوم استيقظتَ باكراً لتساعد أباك في عمله، وسألتَ نفسك: "لماذا سأساعده؟" الإجابات كثيرة فأيها ستختار هدفاً لك:
- ليقول الناس أنني ابن بار؟
- ليشتري لي أبي ما أريد؟
- لأشعر بالرضا عن نفسي؟
- لأرى أبي سعيداً وراضياً عني؟
- لأرضي الله عز وجل وأكون ممن أَدخل السرور على قلب إمام زماني عجل الله فرجه؟
الأهداف متفاوتة، اختر أسماها وأرقاها أو ما يعبّرون عنه بالداعي التام أو الأتم، سمو هدفك يعني سمو قيمتك وقَدْرك.
الثالث: الهدف من الهدف.
وينطبق عليه الأمرين الأولين، هدفي أن أصبح أكبر طبيبة في الجراحة، لماذا؟ مثلاً لأساعد المرضى لاسيما ذوي الحالات الصعبة. بهذه الطريقة لن تتوقف نجاحاتك عند حد معيّن، فإن توقفت فاعلم أنها بداية الفشل.
لم أُصِب الهدف!
يحصل أن يكون الهدف واضحاً تامّاً ورغم ذلك لا نستمر!! يعاني من مشاكل مع زوجته ويقرر أن يصلح عيوبه ليعيش حياةً ملؤها الحُب والدفء، لكن مع ازدياد المشاكل يضعُف ويترك هدفه، ألا يحصل هذا الأمر معنا جميعاً؟ إذن أين الخلل؟!
عادةً تكون الثغرة في الهدف نفسه - إن لم نراعِ الأمور الثلاثة التي ذكرناها -، فلو كان هدفك الناس ولم تُقابَل بردود الفعل التي توقّعتها ستصاب بالإحباط وتترك هدفَك، وقد تكون المشكلة في طريقة تحقيقك لغايتك، لاحظ معي:
• لو فرضنا أنني هجرتُ كتاب الله عز وجل وقررتُ أن أعود إليه قراءةً وتفسيراً وحفظا، لأن القرآن الكريم منهج حياة لي لأرتقي- هذا هدف تام - والهدف من هذا الهدف التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، ثم بدأت في اليوم الأول بنشاط فقرأتُ جزءاً كاملاً، ثم فتحتُ كتاب تفسير وقرأتُ تفسير الجزء كاملاً! وحفظتُ خمس صفحات من الجزء. في اليوم الثاني سأشعر بالتعب وتدريجياً ستصل همتي إلى الحضيض إلى أن أهجر القرآن مجدداً! تحقيق الهدف دفعة واحدة أمر صعبٌ وشبه مستحيل، أما إن تدرّجنا وبدأنا بأصغر وأدوَم خطوة، كأن أقرأ في اليوم آية واحدة وأبحث في تفسيرها وأحفظها، إن شاء الله سنستمر.
* قرار الزوج بإصلاح عيوبه فيه تعدد للأهداف، هو يغضب سريعاً، ويرى نفسه دائماً على صواب، ويسيء الظن، إذا قرر أن يصلحها في ذات الوقت سيشعر بالتشتت والعجز فيتوقف عن كل أهدافه، أما إن رتّب أولوياته، ثم بدأ بأَولاها كمسألة الغضب وعالجها ثم انتقل إلى غيرها، فسينجح بإذن الله ويستمر.
• مشاغلك كثيرة؟ أنا كذلك، وهذا يجعلنا نغفل عن هدفنا أو أهدافنا، لذلك لابد من تجديد النية وتذكير أنفسنا دائماً بهدفنا، أبقِه أمامك على الدوام.
استغث بالمطلق
خلق اللهُ تبارك وتعالى الإنسانَ، وجعله مقيّداً ومحدوداً بالزمان والمكان والإمكانيات.. وفي التفكير، لذلك قد يُخطئ عقلنا أو يشتبه في اختيار الهدف، فصار لزاماً على المحدود أن يطلب المدد والغوث من الله عز وجل المطلق في كل شيء، متوسلاً بالنبي وآله (صلى الله عليه وآله).
أخذناها عن القرآن والعترة
بقي أمرّ لم أخبركم به، هذه القواعد والتي يكثر الحديث عنها في ندوات التنمية البشرية، أخذناها عن الإسلام، الدين الذي يتوهم البعض أنه شيء جامد، مجرد صوم وصلاة!.
هل يُعقل ذلك؟! نعم يُعقل:
١- الله سبحانه وتعالى حين خلق الخلق حدد الهدف، يقول تعالى: {وما خلقتُ الجنّ والإنسَ إلا ليعبدون} (١)، فتعلمتُ أنه ينبغي علي أن أحدد أهدافي.
٢- (العبادة) هدف واضح ومحدد، فتعلمتُ أن أهدافي لابد أن تكون واضحة.
٣- القرآن الكريم ذكر ثلاثة أهداف من خلق الخلق: العلم (٢) والعبادة والرحمة، وكلها غايات تامة سامية، لذلك لابد أن نختار الدواعي الأتم والأسمى.
٤- يقول تعالى: {إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} (٣) الهدف الأوّلي هو العبادة، والهدف من الهدف هو الرحمة، فتعلمتُ أن أحدد الهدف من الهدف.
٥- أهداف الله من الخلقة فيها تدرّج: أولاً العلم وبه نعبد الله عز وجل لكي يرحمنا، فتدرجتُ في وصولي لأهدافي.
٦- جاء في وصية مولانا أمير المؤمنين لابنه الإمام الحسن (عليهما السلام): "واقتصد في عبادتك وعليك فيها بالأمر الدائم الذي تطيقه" (٤)، فتعلمتُ أن أبدأ بأصغر وأدوم جزئية في تحقيق هدفي.
٧- في قوله تعالى: {ليعبدون} استخدم الله عز وجل الفعل المضارع الذي يدل على الاستمرارية، فلكي أصل إلى غايتي علي تجديدها واستحضارها دائماً.
وليكن في علمك أن هذا غيضٌ من فيض، بل نقطةٌ من محيط، فأين نحن عن ديننا والكنز الذي ائتمننا الله عليه؟!
ارسم أهدافك، وامضِ في تحقيقها، تعِش سعيداً بنجاحاتك.
اضافةتعليق
التعليقات