ظهر توجه غريب في الشارع العراقي تمثل في اقتناء مجسم البومة، بحسب اعتقاد انتشر بين بعض النساء بأنها تجلب الثراء وتحسن الظروف المعيشية هذه الظاهرة، التي تبدو في ظاهرها بسيطة، تعكس أبعادًا أعمق ترتبط بمزيج من الجهل الديني والاستغلال التجاري الذي يُغذي الخرافات على حساب القيم الثقافية والدينية للمجتمع.
تاريخيًا، ارتبطت البومة برمزية الحكمة في بعض الثقافات، وفي فلسفة الفنغ شوي هي تُعد رمز للحظ الإيجابي والوفرة والحماية، لكنها في السياق المحلي العراقي أُعيد تفسيرها لتصبح رمزًا للثراء السريع، هذا التحول ينبع من بيئة اجتماعية متأزمة تُغذيها البطالة والضغوط الاقتصادية، مما يجعل البحث عن حلول غير عقلانية وسيلة للهروب من الواقع، أو الرغبة الملحة في الثراء الفاحش الذي يلبي متطلبات العيش بترف.
يبدو أن هذه الظاهرة تعكس انحرافًا في البنية الفكرية، إذ يتم اختزال السعي للرزق في ممارسات خرافية بعيدة عن مفهوم العمل والاجتهاد الذي أقرّه الإسلام كأساس لتحسين الأوضاع المعيشية، ووراء هذا الانتشار السريع لهذه المعتقدات يكمن استغلال تجاري واضح، فيتم الترويج لمجسم البومة كمنتج يحمل "قيمة رمزية"، وذلك يزيد الاقبال على شرائه، وتتحول الحاجة النفسية للبحث عن الأمل إلى فرصة للربح المادي على حساب استقرار القيم المجتمعية.
من الممكن أن تكون هذه الظاهرة جزءًا من استراتيجية أعمق تسعى لترويج الجهل ونشر الخرافات، ما يخلق حالة من التبعية الفكرية والسلوك الاستهلاكي غير الواعي.
من منظور إسلامي، يُعد هذا السلوك منافياً للعقيدة التي تُعلي من قيمة العمل والإيمان بالله كمصدر للرزق، وهنالك العديد من الظواهر المنتشرة مثل لبس الملابس التي تتميز بنقشة النمر وتسمى (التايغر) أو ربط عيدان القرفة بخيط الصوف الأحمر لتعم المودة في الأسرة، وأن هذه المعتقدات المغلوطة والاعتماد على الرموز المادية يعزز من ضعف الإيمان والتواكل، مما يؤدي إلى تراجع الروح الجماعية القائمة على السعي والعمل، ويعطل الأم والأب عن أداء الدور الحقيقي لهما في التربية الصحيحة وتوجيه وغرس المودة والتراحم عن طريق سلوكيات هم يقومون بها، والتكاسل عن السعي الحثيث لكسب الرزق.
تعكس هذه الممارسات تراجعًا في الوعي الاجتماعي، إذ بات البعض يُفضل اللجوء إلى الحلول السهلة بدلاً من مواجهة التحديات الحقيقية عبر التفكير المنطقي والعمل الدؤوب، إن ظاهرة اقتناء مجسم البومة ليست مجرد ممارسة عابرة، بل هي انعكاس لواقع اجتماعي يحتاج إلى معالجة جذرية والتمسك بالقيم الدينية وتعزيز الوعي الثقافي إذ يبقى السبيل الأمثل لتحصين المجتمع من الخرافات والمعتقدات الوهمية، وبناء مستقبل قائم على العمل والاجتهاد لا على الرموز الفارغة، إن العودة إلى القرآن الكريم والمأثور عن النبي وآل البيت (عليهم السلام) هو الحل الأمثل لكلّ مشاكل المجتمع.
اضافةتعليق
التعليقات