لم أكن يوماً أدرك بأن القدر سيجمعني بذلك الطفل الذي لم أنس جوابه وكيف أنسى من غيّر مسار نظري لقراءة الحياة من منظور أعمق، ولأفهم كيف أنظر لذاتي وكيف أشذبها، سمعت منه عبارة واحدة استطاعتْ أن ترسخ في ذهني أكثر من خمسة عشر عاما، حين مررتُ عليه وهو يجلس جانبا عن الأطفال الذين علا صوت لعبهم لا يشاركهم فيه، فقلتُ له: أشتري لك ما تلعب به؟، فردّ عليَّ «لا، ما للّعب خُلِقنا».
استوقفتني العبارة ولم أجد ما أرد به عليه ثم سألته لماذا خلقنا اذن؟ فأجابني: «للعلم والعبادة» .
تحيرتُ في أمري كيف لطفلٍ أن يعي كل هذا الوعي ورحت ارتشف منه علما
فسألته: من أين لك هذا؟، فأجابني: من قوله تعالى (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً)
حينها تبسمت بحيرة لا أعلم أأقف عنده واستزيد أم أهرب من خجلي وأنا لا أعرف كيف أجيب سائلا إن سألني فانطلقتُ أقول له: ما نزل بك، وأنت صغير لا ذنب لك؟
فأجابني بجدية :«إليك عنّي، إني رأيت والدتي توقد النار بالحطب الكبار، فلا تتقد إلاّ بالصغار، وإني أخشى أن أكون من صغار حطب جهنّم»
تلك الحادثة التي لا زلت أحفظها عن ظهر قلب وهي سبيلي إلى التغيير وكنتُ كلما مالتْ نفسي أتذكرها وكنت أفكّر دائما بذلك الصبي وكنتُ أتوقع أن يكون عالما وكنتُ أرجح أن يكون ضمن سلسلة أجداد علما تربوا على يد جعفر ابن محمد الصادق (عليه السلام)، لم أكن أظن يوما أن اجتمع به وأسمع حديثه حيث كنت في السجن مع عيسى بن صبيح ودخل علينا رجل ذو هيبة ووقار فقال لعيسى: لك خمس وستون سنة وشهر ويومان، وبعد الاطمئنان عليه سأله هل رزقت ولداً؟ فأجابه بالنفي فدعا له قائلاً: اللهمّ ارزقه ولداً يكون له عضداً فنعم العضد الولد ثم تمثل:
من كان ذا عضد يُدرك ظلامته
إن الذليل الذي ليست له عضد
ثم سأله عيسى مولاي هي سيكون لك ولد؟ فأجابه قائلاً: إي والله سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً فأمّا الآن فلا.
وحينما خرج سألت عيسى عن شخصه قال أنه الحسن ابن علي الهادي حفيد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، نزلت دموعي وتذكرت ذلك الصبي ها هي الأيام تجمعني بمن تمنيت أن أرى ما سيؤول له في المستقبل وها أنا أعرف أن هذا العظيم هو حفيد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم).
اضافةتعليق
التعليقات