إن كل عبارة تدلي بها لشخص ما يتم تنقيحها، من خلال الأطر المرجعية والتحيزات والأفكار المسبقة للمتلقي وما يتبقى في النهاية هو الرسالة التي يفهمها ولأسباب عديدة مختلفة، يمكنه تفسير ما تريد نقله إليه بطريقة مختلفة تماما عما كنت تقصده بطبيعة الحال، سوف يختلف الأمر المفهوم اعتمادًا على من تتحدث إليه، ولكن من النادر جدًا أن تنتقل إليه الرسالة بأكملها تماما كما تصورتها في ذهنك.
إن مسألة علمك بأنك لا تملك سوى القليل من السيطرة على ما يفهمه مستمعك قد تكون محبطة، فبغض النظر عن مدى ما تحاول تصحيح الأمر به، فليس هناك الكثير مما يمكنك فعله حيال ذلك، وهذا هو أحد صعوبات التواصل العديدة، إذ لا يمكنك ببساطة تغيير كيفية تصرف وتفكير المستمع. ومع ذلك، فإن معظم الناس يدركون ويكونون حساسين للغاية، للطريقة التي يريدون أن تتم معاملتهم بها ومن خلال التكيف وضبط نفسك مع الطريقة التي يريد الأشخاص الآخرون أن يتم التعامل معهم بها، تصبح أكثر فاعلية في تواصلك، فأنت تساعد الآخرين على فهمك عن طريق إنشاء ساحة آمنة للتواصل وفقا لشروطهم. ثم يمكن للمستمع حينها استخدام طاقته للفهم بدلا من التفاعل بوعي أو دون وعي مع طريقة تواصلك.
فنحن نحتاج جميعًا إلى تطوير مرونتنا حتى نتمكن من تغيير أسلوب التواصل لدينا، وتعديله عندما نتحدث إلى أشخاص مختلفين عنا وهنا نجد حقيقة أخرى: فبغض النظر عن الطريقة التي تختار أن تتواصل بها كفرد فستكون دائما في موضع أقلية، إذ بغض النظر عن نوع سلوكك، فإن غالبية الأشخاص من حولك سيتصرفون بشكل مختلف عنك فلا يمكنك تأسيس طريقة تواصلك بناء على تفضيلاتك الخاصة حيث إن المرونة والقدرة على تفسير احتياجات الآخرين هي ما يميز التواصل الجيد.
إن معرفة وفهم أسلوب الشخص الآخر في التصرف وطريقة التواصل سوف تؤدي إلى مزيد من التوقعات الدقيقة حول كيفية تفاعله في المواقف المختلفة، كما سيزيد هذا الفهم أيضًا من قدرتك على الوصول إلى الشخص المعني بشكل كبير.
لأن عدد الإشارات التي ننقلها باستمرار إلى من حولنا لا يتناسب مع حجم أي كتاب وحتى لو تمكنا من إدراج لغة الجسد، والاختلافات في الحوار بين الذكور والإناث، والاختلافات الثقافية، وجميع الطرق الأخرى لتحديد الاختلافات في التواصل، فلن نتمكن من كتابة كل شيء إذ يمكننا إضافة الجوانب النفسية، وعلم الخط، والعمر، والتنجيم، ولن نحصل على صورة كاملة بنسبة 100%.
ووفقا للمجلة الأمريكية لتعليم إدارة الأعمال (يوليو/ أغسطس (2013)، تم إجراء أكثر من 50 مليون تقييم باستخدام أداة ديسا DISA ومع ذلك، ومع كل هذه المعلومات، يبقى التواصل موضوعًا محيرًا ومشوقا فالناس ليسوا جداول بيانات، لا يمكننا حساب كل شيء فنحن معقدون للغاية بحيث لا يمكن وصفنا بالكامل وحتى أصغر طفل هو أكثر تعقيدًا بكثير من أي شيء يمكن وصفه في كتاب ومع ذلك، يمكننا تجنب الأخطاء الفادحة عن طريق فهم أساسيات التواصل البشري.
(فنحن نرى ما نفعله، لكننا لا نرى لماذا نفعل ما نفعله وبالتالي، فإننا نقيم بعضنا بعضا من خلال ما نرى أننا نفعله) تأتي هذه الكلمات من المحلل النفسي كارل يونج، إن أنماط السلوك المختلفة هي التي تخلق الديناميكية في حياتنا وعندما أشير إلى أنماط السلوك، لا أقصد فقط كيف يتصرف الشخص في حالة واحدة (أفعاله)، بل المجموعة الكاملة من المواقف والتوجهات والمعتقدات والمناهج التي تحكم كيفية تصرف الشخص، يمكننا فهم أنفسنا في أنماط سلوك معينة، لكن بعض أشكال السلوك الأخرى لا ندركها ولا نفهمها إضافة إلى ذلك، يتصرف كل واحد منا بشكل مختلف في المواقف المختلفة، وهو الأمر الذي يمكن أن يكون مصدرا للبهجة أو للإزعاج لمن حولنا.
على الرغم من أن الأفعال الفردية يمكن بالطبع، أن تكون صحيحة أو خاطئة، إلا أنه لا يوجد في الحقيقة نمط سلوكي صحيح أو خاطئ، لا يوجد شيء من قبيل السلوك الصحيح أو السلوك غير الصحيح، أنت من أنت وليس هناك جدوى من التساؤل عن السبب، لا بأس بك مهما كانت طبيعتك وأيا كانت الطريقة التي تختار أن تتصرف بها، وأيا كانت الطريقة التي يُنظر إليك بها، فلا بأس بك ضمن الحدود المعقولة.
كل ما عليك فعله هو إيجاد الموقف الصحيح الذي تقوم فيه بفعل ذلك، هناك حالتان يمكنك فيهما أن تكون فقط أنت على طبيعتك الحالة الأولى هي عندما تكون وحيدا في الغرفة حينها لا يهم كيف تتحدث أو ماذا تفعل لن يتأثر أو يتأذى أي شخص إذا كنت تصرخ وتصيح أو إذا كنت ترغب فقط في الجلوس صامتا وتتأمل أسرار الحياة العظيمة أو تتساءل لماذا تبدو عارضات الأزياء دائما غاضبات وفي عزلتك يمكنك أن تتصرف بالضبط بالطريقة التي تشعر بها أمر بسيط، أليس كذلك؟
الحالة الثانية حيث يمكنك أن تكون على طبيعتك تمامًا هي عندما يكون جميع الأشخاص الآخرين في الغرفة مثلك تماما، ماذا علمتنا أمهاتنا؟ عامل الناس كما تحب أن يعاملوك نصيحة ممتازة وحسنة النية وهي تنجح أيضًا، طالما أن الجميع مثلك تماما، كل ما عليك فعله هو إعداد قائمة بجميع الأشخاص الذين تعرفهم والذين يؤمنون ويفكرون ويتصرفون مثلك تماما في جميع المواقف والآن قم فقط بالاتصال بهم واقضوا الوقت معا.
أما في أي موقف آخر، قد يكون من الجيد فهم كيف ينظر الآخرون إليك ومعرفة كيف يتصرفون ويفكرون ولا أعتقد أنه سيكون أمرًا صادمًا إذا قلت إن معظم الأشخاص الذين تقابلهم فعليا هم ليسوا مثلك، يمكن أن يكون للكلمات تأثير لا يصدق، لكن الكلمات التي نختارها تختلف وعندما تستخدم الكلمة الخطأ، ربما تكون أحمق.








اضافةتعليق
التعليقات