الكلمةُ أمانة:
"لا خيرَ في وعدٍ إذا كان كاذبًا.. ولا خيرَ في قولٍ إذا لم يكن فعلًا". حكمةٌ شاملةٌ تَكثِفُ قِيمَ الأخلاقِ والإنسان، فتُجسِّدُ أساسَ العلاقاتِ بين الناس، وتَكشِفُ هشاشةَ كلِّ قولٍ لا يُؤَيِّدُه فعل. فالكلمةُ إن لم تَصدُرْ من قلبٍ صادق، وتُترجم إلى عملٍ نافع، أصبحت كالغيمِ بلا مطر، والشجرةِ بلا ثمر.
الوعدُ الكاذبُ.. هدمٌ للثقة
ليسَ الوعدُ مجردَ كلماتٍ تَخرُجُ من الفم، بل هو عقدٌ معنويٌّ تُبرمه الضمائر. فإذا كانَ هذا الوعدُ كاذبًا، انقلبَ إلى سُمٍّ ينفُذُ إلى النفوس، ويُحدثُ فيها دمارًا أخلاقيًا عظيمًا. يُفسدُ الوعدُ الكاذبُ جَوهرَ العلاقات، لأنه:
· يَهزُّ أركانَ الثقة: الثقةُ لَبنةُ البناءِ في كلِّ صلةٍ بين الناس. والوعدُ الكاذبُ يَنْقُضُ هذه اللبنةَ ويَجعلُ النفوسَ مترقبةً حذرة.
· يُضيِّعُ معنى الكلمة: إذا كَثُرَ الكذبُ في الوعود، فقدتِ الكلماتُ قيمتَها، وأصبحَ التواصلُ بين الناسِ ضربًا من العبث.
· يَقْتُلُ الأملَ في النفوس: أشدُّ ما يُؤلمُ في الوعدِ الكاذبِ أنه يبني في نفسِ السامعِ توقُّعًا جميلًا، ثم يتركهُ في فراغٍ من الخيبةِ والحرمان.
القولُ بلا فعل.. انفصامٌ وعجز
إذا كانَ الوعدُ الكاذبُ جريمةً واضحةً، فإنَّ القولَ المجردَ من الفعلِ هو مرضٌ خفيٌّ يدبُّ في حياةِ الأفرادِ والمجتمعات. وخطرهُ أنه:
· يُظهرُ ازدواجيةَ الشخصية: حينَ يَعِدُ الإنسانُ أو يقولُ ما لا يفعل، يصبحُ كمن يبني قصرًا من رمال، سرعان ما ينهارُ عند أولِ اختبار.
· يُؤسسُ لثقافةِ الكلامِ الفارغ: تَضعُفُ الأممُ إذا طغى كلامُ أهلها على فعلهم. فالمجالسُ التي تَملؤها الخطاباتُ الرنّانةُ بلا تنفيذ، تُنتجُ جيلًا يَرضى بالكلماتِ بديلًا عن الإنجاز.
· يَصنعُ وهمَ الإنجاز: يَخدعُ الإنسانُ نفسَهُ حينَ يَعتقدُ أنَّ مجردَ الحديثِ عن هدفٍ ما يُعادلُ تحقيقه. وهذهِ خديعةٌ تُبعِدُ عن النقدِ الذاتي والتحسينِ المستمر.
تجلياتٌ من الواقع
· في القيادة: القائدُ الصادقُ لا يُعلّقُ رعيَّتَهُ على خيوطِ الوعودِ الكاذبة، بل يَسبقُ قولُهُ فعلُهُ، فيَكسبُ ثقتَهم بإنجازه قبلَ كلماته.
· في العلاقاتِ الشخصية: الصداقةُ الحقةُ مبنيةٌ على الوفاء، فالصديقُ الذي يعدُ ثم يخلفُ وعده، يهدمُ جسرَ المودةِ بينه وبين صديقه.
· في الأدبِ والحكمة: لم يخلدِ التاريخُ إلا أولئكِ الذينَ وافقَ قولُهم فعلَهم. فالحكيمُ الحقيقيُّ هو من تَرى حكمتَهُ ماثلةً في سيرتهِ وسلوكه.
ختاما: نحوَ ثقافةِ الوفاءِ والإنجاز
خلاصةُ الأمر أنَّ هذهِ الحكمةَ الخالدةَ تَدعونا إلى مراجعةٍ شاملةٍ لأنفسنا. فالكلمةُ الصادقةُ هي التي تخرجُ من القلبِ لتتحققَ في الواقع. وهي الدعامةُ التي تُقيمُ مجتمعاتٍ قويةً متماسكة، تُبنى فيها الثقة، وتُحفظُ فيها الكرامة.
فَلْنَعِدْ قليلاً، ولْنَفعَلْ كثيرًا. وَلْنَكنْ من الذينَ إذا قالوا فعلوا، فتكونَ كلماتُهم سِجِلَّاً مشرقًا في سفرِ الحياة، وشاهدًا لهم لا عليهم.






اضافةتعليق
التعليقات