كثيرًا ما يتبادر إلى أذهاننا سؤال مثل كيف إنتشرت مثل هذهِ الأفكار السخيفة والتافهة في مجتمعاتنا؟، كيف تحولت هذهِ الأفكار إلى قضايا يدافع عنها الأفراد وينصبون العداء لمن ينتقدهم فيها، ولماذا يحدث أن نرفض الأفكار ثم ما نلبث إلا أن نقبلها.. ولماذا نشعر أننا صرنا فجأة مقلدين لفكر آخر وجماعة أخرى، أو حتى شخص آخر ربما نرى فيه شيئا مثاليًا!؟ بل وربما نتخذهُ قدوة! في هذا المقال لن نتطرق للدوافع النفسية والإجتماعية بقدر ما سنتحدث عن الآلية الإجتماعية التي تُحدث كل هذه التغيرات، مع الأسباب.
هناك مصطلح في علم الإجتماع يسمى ب "العدوى الاجتماعية"، مفهوم هذا المصطلح بسيط، وهو يشابه مبدأ العدوى في الطب، أي أن الشخص المصاب بمرض معدي يمكن من خلال قيامه بسلوكيات محددة أن ينقل هذا المرض لشخص غير مصاب به، تعمّد ذلك أم لا.
هنا وجه شبه بينَ القضيتين فمهما كانت الدولة محصنة سياسيًا ولها علو ثقافي فهذهِ التغييرات التي تحدث خارجة عن إدراة الدولة بنسبة معينة فهي متعلقة بإدارة الإنسان نفسه وإلا فلا رادع لها غيره. فأن حصانة الإنسان هنا تلعب دوراً كبيراً في ردع هذهِ الأفكار السخيفة الطارئة على مجتمعنا الإسلامي الواعي.
ومهما كثر التدقيق ودعامة الدولة والمسؤولين عن إدارة الشعب فلا يستطيعون ردع الأساليب الدخيلة والمفاهيم المغلوطة التي تصدر من قِبل الدول الأخرى إلى أفراد المجتمع إنما هذا هو من مسؤولية الفرد نفسه فإن عمل على نفسه عملًا جيدًا فهذا يعني أنه إستطاع أن يوقف التأثير عما يرى أو يسمع أو يقرأ..
إن ما يدخل إلينا من مفاهيم وسلوكيات لا تمت إلى الدين ولا إلى الأخلاق والأدب بصلة لا يعني ذلك أنَ من يصدرها يجبر السامع أن يطبقها، ولكن من لديهِ وعياً يستطيع أن يفرزن بين الجيد والسخيف.
أما عن المسؤولين عن إدارة الشعب فلا نقول ليس لديهم السلطة الكافية أو ليس لديهم الإمكانية التي يستطيعون تنظيم وضبط المجتمع من خلال نظام معين يضعونه بل لهم نسبة في هذا الأمر فلو طبقت بعض السلوكيات التي يستطيع المسؤول أن يشرطها أو ينشر تطبيقها على أفراد المجتمع لطُبق، فمثل ما تعودنا على القيام عند دخول المعلم مرة بعد أخرى أصبح الأمر طبيعياً وأصبح أحد السلوكيات التي لابد من تطبيقها وهنا تتطبق المقولة الشهيرة في علم الاجتماع "لا أحد يأمر لكن الكل ينفذ".
وبالربط بين العدوى الإجتماعية في إطار إنتشار الأفكار في المجتمع وبين إستخدام السلطة لها، فإنهُ يُمكن للسلطة أن تخلق عادات جديدة مع الزمن، وأن تحولها لأمور تنظيمية تدخل في السلوكيات العامة لثقافة البشر.
ففي بعض الأمور تستحق أن يعمل عليها المسؤولون ويرسخونها في عقولهم لتصبح سلوكًا وواجبًا وإن من تعدى هذا الحد يستحق صاحبهُ أن يأخذ جزاءهُ وأن تُنفذ فيه أشد أساليب العقاب المادية.
يبقى الرجوع للقيم أو المقصد من الأفكار التي تنتشر في المجتمع هي التي تحدد قيمة كل فكرة من عدمها، إلا أن الإشكال يقع حينما لا يبحث الناس عن السياقات التي أنتجت الأفكار، ولا المقصد والغاية. فيكون حينها التقليد أعمى ينم عن تراجع في الوعي والإدراك لدى الفرد نفسه. إن التقليد للأفكار والسلوكيات السخيفة والتافهة أكثر من السلوكيات المُنظمة الجيدة يثير الدهشة والشجن بذات الوقت، هذا إن دلَ فهو يدل على التراجع الفكري لدى أفراد مجتمعنا، التراجع الداخلي التام فقد نجد من يُمثل الثقافة ولكنهُ بعيد عنها كُليًا فربما قد قرأ وأطلع وأستمع ولكنهُ لم يُطبق وإلا فما نفع القراءة من دونِ تطبيق ومانفع الإستماع دون تأثير.
إن وجود مثل هكذا نماذج في المجتمع الإسلامي ذو الثقافات العريقة والتأريخ الزاهر أمر مَعيب، فقد تتشكل لدى المجتمعات الأُخرى علينا نظرة الهمجية وقلة الذوق ناهيك عن قلة الإحترام وعدم رضا رب العزةِ والجلال، فقد وضع لنا أهل البيت (عليهم السلام) منهاج حياة متكامل وعرفونا السلوكيات بكل حذافيرها ولكن قلما نجد التأثير والتطبيق لدى أغلب الناس.
هنا لابد على كلٍ منا أن يُراجع نفسه وأن يضبط سلوكياته وأسلوبه بشكلٍ يتناسب مع مكانته التي خصها الله بها، وأصله الذي يعود إلى الدين والإسلام القويم.
اضافةتعليق
التعليقات