هناك مجموعة روافد عملت على صياغة صورة الإسلام والمسلمين في الوعي الغربي من أبرزها، تبعاً للدكتور قاسم السامرائي، هي كتابات الرحالة والمغامرين الموغلة في الخيال والاصطناع والتلفيق، لأن همّ الكاتب كان منصباً على انتزاع الاعجاب من قارئيه وسامعيه، فكان يضفي على كتابه أثواباً من البطولات والخوارق، ليفوز بالفخر والمديح على أقرانه.
وقد انتقل هذا التلهف وراء البطولات والفتوحات للتفرد بها إلى المكتشفين والرواد الذين استعانوا في كل الأحوال بأصحاب الخبرة من أهل البلاد ليكتشفوا لهم، فإن الاكتشاف كان ينسب للرجل الغربي ويطمس اسم المكتشف الحقيقي عمداً، ولم تقتصر حمى الاكتشاف والريادة على هؤلاء، بل صارت جزءًا مكملاً للتنصير في كل العالم غير النصراني.
أما الرافد الآخر الذي أمد الغرب بأفكاره عن الإسلام ونبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم فكان الرسالة المنسوبة إلى عبد المسيح بن اسحاق الكندي المجهول، والتي ترجمها بطرس الطليطلي إلى اللاتينية، بأمر من بطرس المحترم، كجزء من مجموعة ترجمات دير كلوني، حتى يتعلم منها الرهبان أساليب مقارعة المسلمين.
وقد نفذت هذه الرسالة بعمق في مؤلفات القرون الوسطى، وأمدت كتّابها بالمعلومات المستقاة من المصادر الإسلامية، لكن بتأويل وتعليل وتفسير نصراني مغرض. وقد تضمنت هذه الرسالة اتهامات وشكوكاً بالإسلام والرسول صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن الكريم، وما جاء به، خاصة الجهاد، وقد جهد مؤلفها للتدليل على صواب الإنجيل وقوة نصه وعدم تحريفه. وقد تلقّف كتّاب القرون الوسطى في الغرب هذه الرسالة بلهفة وشوق، وأضحت واحدة من مصادر كتاباتهم الهامة.
يستند المستشرقون في الحكم على الإسلام والتاريخ الإسلامي غالباً إلى قيمهم ومقاييسهم الثقافية الخاصة، بدلاً من اعتمادهم على المصادر والوثائق التاريخية وما تفصح عنه، وقد لبث المستشرقون يخاطبون في كتاباتهم القارئ الغربي الذي يجهل كل شيء عن الإسلام وتاريخه ومجتمعاته، ولأنهم كانوا يكتبون لمثل هذا القارئ لم تتعرض مؤلفاتهم للنقد، وأمكنهم – دون وازع أو محاسب أو مقوّم – أن يصوغوا النظريات، ويمنعوا في الافتراضات، ويسرفوا في الأقوال، التي لا أساس لها من الصحة على الإطلاق.
وظلت أجيال من المستشرقين تكرر ما قاله أسلافهم من قبل، وكأنها حقائق نهائية لا تحتاج إلى مراجعة وتقويم، وأسوأ ما في الأمر أنهم سايروا في معظم الأحيان تقاليد معينة، حيث يمدون الجمهور الغربي بما يتوقع منهم أن يمدّوا به، وهكذا كان مجتمع الاستهلاك الغربي أمداً طويلاً يستهلك الانتاج الأدبي للاستشراق، وبالطريقة نفسها التي كان يستهلك بها السلع الأخرى، وبذلك نجد أن عدداً لا بأس به من المستشرقين قد مضوا في غيّهم لا يلوون على شيء، وقد بنوا مواقفهم على الموقف العام للاستشراق دون نقد أو تمحيص، كدليل على كماله، أو كأنه أمر لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بالرغم من أن الدراسات النقدية، المتأخرة للاستشراق قد أماطت اللثام عن منزلقاته وتعسف أحكامه وشططها.
اضافةتعليق
التعليقات