قد تكون رؤية أحدهم لك وأنت تتحدث مع نفسك، خاصة إذا كنت تستخدم اسمك في المحادثة أمراً محرجاً، وقد يجعلك ذلك تبدو وكأنك تهلوس. السبب هو أن الهدف من التحدث بصوت عالٍ هو التواصل مع الآخرين عادة، ولكن بالنظر إلى أن الكثيرين منا يتحدثون إلى أنفسهم فعلاً، فهل يمكن أن يكون هذا طبيعياً أو حتى صحياً؟
في الواقع إننا نتحدث مع أنفسنا بصمت طوال الوقت، خاصة عند عدم وجود أي شخص آخر سوى أفكارنا للرد. هذا الحديث الداخلي صحي جداً في الحقيقة، وله دور خاص في الحفاظ على صحة عقولنا. وفقاً لموقع CNN، حوارنا مع أنفسنا يساعد في تنظيم أفكارنا والتخطيط وتقوية الذاكرة وتعديل المشاعر. بمعنى آخر، يساعدنا في التحكم في أنفسنا.
فوائد التحدث مع النفس
حوارنا بصوت عال امتداد لحديثنا الداخلي
يمكن أن يكون التحدث بصوت عالٍ امتداداً للحديث الداخلي الصامت الذي يكون في عقولنا، الذي يحدث بشكل لا إرادي. لاحظ عالم النفس السويسري جان بياجيه أن الأطفال الصغار يبدأون في التحكم في أفعالهم بمجرد أن يبدأوا في تطوير اللغة. وعند الاقتراب من سطح ساخن عادة ما يقول الطفل "ساخن، ساخن" بصوت عالٍ ويتحرك بعيداً. يمكن أن يستمر هذا النوع من السلوك في مرحلة البلوغ.
يساعد على القيام بالمهام
في إحدى الدراسات، وجد الباحثون أن أدمغتنا يمكن أن تعمل مثل عقول القرود إذا توقفنا عن التحدث إلى أنفسنا، سواء كان ذلك بصمت أو بصوت عالٍ. في التجربة، طلب الباحثون من المشاركين تكرار الأصوات التي لا معنى لها بصوت عالٍ ("بلاه بلاه بلاه") أثناء أداء المهام المرئية والصوتية. نظراً لأننا لا نستطيع قول شيئين في نفس الوقت، فإن غمغمة هذه الأصوات جعلت المشاركين غير قادرين على إخبار أنفسهم بما يجب عليهم فعله في كل مهمة.
يساعد في العثور على الأشياء
معظمنا قد ينسى أين وضع مفتاح سيارته أو محفظته أو حتى ذلك القلم المفضل لديه. وفقاً لبحث عام 2012، فإن ذكر اسم كل ما تبحث عنه بصوت عالٍ يمكن أن يساعدك في تحديد مكانه بسهولة أكبر من مجرد التفكير في العنصر.
يقترح المؤلفون أن هذا يعمل لأن سماع اسم العنصر يذكر عقلك بما تبحث عنه، وهو ما يساعدك على تصوره وملاحظته بسهولة أكبر.
يساعد على التركيز
فكر في العودة إلى آخر مرة قمت فيها بعمل صعب. ربما كان عليك تولي مهمة فنية للغاية لإصلاح جهاز الكمبيوتر الخاص بك.
ربما تكون قد عبّرت عن الإحباط ببعض عبارات التعجب أثناء قيامك بإصلاحه. ربما تحدثت أيضاً عن نفسك من خلال أصعب الأجزاء، وربما حتى ذكّرت نفسك بتقدمك عندما شعرت بالاستسلام. في الحقيقة ربما ساعدك التحدث إلى نفسك على التركيز والاستمرار والنجاح في النهاية.
يمكن أن يساعدك شرح العمليات لنفسك بصوت عالٍ في رؤية الحلول والعمل على حل المشكلات، حيث يساعدك على التركيز على كل خطوة.
كما أن طرح الأسئلة على نفسك، حتى لو كانت بسيطة أو بلاغية، "إذا وضعت هذه القطعة هنا، ماذا يحدث؟" يمكن أن يساعدك أيضاً في التركيز على المهمة التي تقوم بها.
يساعد على التحفيز
عندما تشعر بأنك عالق أو تواجه تحدياً، فإن القليل من الحديث الذاتي الإيجابي يمكن أن يفعل المعجزات لتحفيزك.
عادة ما يكون لهذه الكلمات التشجيعية وزن أكبر عندما تقولها بصوت عالٍ بدلاً من مجرد التفكير فيها. غالباً ما يساعد سماع شيء ما في تعزيزه.
ومع ذلك، هناك شيء واحد كبير يجب مراعاته. تشير الأبحاث من عام 2014 إلى أن هذا النوع من التحفيز الذاتي يعمل بشكل أفضل عندما تتحدث إلى نفسك بصيغة المخاطب.
بعبارة أخرى، لا تقل "يمكنني فعل ذلك". بدلاً من ذلك تشير إلى نفسك بالاسم أو تقول شيئاً مثل "أنت تقوم بعمل رائع، لقد أنجزت الكثير بالفعل، تابع".
عندما تشير إلى نفسك بضمائر الشخص الثاني أو الثالث، فقد يبدو أنك تتحدث إلى شخص آخر. يمكن أن يوفر هذا بعض المسافة العاطفية في المواقف التي تشعر فيها بالتوتر ويساعد في تخفيف الضغط المرتبط بالمهمة.
يساعد على معالجة المشاعر الصعبة
إذا كنت تعيش بعض المشاعر الصعبة، فإن التحدث لنفسك عنها يمكن أن يساعدك في استكشافها بعناية أكبر.
بعض المشاعر والتجارب شخصية للغاية، لدرجة أنك قد لا تشعر بأنك مستعد لمشاركتها مع أي شخص، حتى إذا كنت تحب شخصاً موثوقاً به.
الصوت العالي مقابل الحديث الصامت
إذاً يساعد حديثك الداخلي على تنظيم أفكارك وتكييفها بمرونة مع المتطلبات المتغيرة، ولكن هل هناك أي شيء مميز في التحدث بصوت عالٍ؟ لماذا لا تحتفظ به لنفسك فقط، إذا لم يكن هناك من يسمع كلامك؟
في تجربة حديثة في جامعة بانجور، تم إثبات أن التحدث بصوت عالٍ في الواقع يحسن التحكم في المهمة مقارنة بما يتم تحقيقه من خلال الحديث الداخلي. كان هناك 28 مشاركاً مع مجموعة من التعليمات المكتوبة، وطلب منهم قراءتها بصمت أو بصوت عالٍ. تم قياس تركيز المشاركين وأدائهم في المهام، وقد تحسن كلاهما عندما تمت قراءة تعليمات المهمة بصوت عالٍ.
يمكن أن يساعد هذا على الأرجح في تفسير سبب قيام العديد من المحترفين الرياضيين، مثل لاعبي التنس، بالتحدث إلى أنفسهم بشكل متكرر أثناء المنافسات، غالباً في النقاط الحاسمة في اللعبة، قائلين أشياء مثل "هيا، يمكنك القيام بهذا!" لمساعدتهم على الاستمرار في التركيز.
متى يجب أن تشعر بالقلق
يتساءل بعض الناس عما إذا كان التحدث مع أنفسهم بشكل متكرر يشير إلى أن لديهم حالة صحية عقلية، ولكن هذا ليس هو الحال عادة.
في حين أن الأشخاص الذين يعانون من حالات تؤثر على الذهن مثل الفصام قد يبدو أنهم يتحدثون إلى أنفسهم، إلا أن هذا يحدث عموماً نتيجة الهلوسة السمعية. بعبارة أخرى، غالباً لا يتحدثون إلى أنفسهم، لكنهم يردون على صوت لا يسمعه أحد.
إذا سمعت أصواتاً أو شعرت بهلوسة أخرى، فمن الأفضل طلب الدعم المتخصص على الفور. يمكن للمعالج المُدرَّب أن يقدم إرشادات ويساعدك على استكشاف الأسباب المحتملة لهذه الأعراض.
يمكن للمعالج أيضاً تقديم الدعم إذا:
كنت تريد التوقف عن التحدث إلى نفسك ولكن لا يمكنك التخلص من هذه العادة بمفردك
تشعر بالضيق أو عدم الارتياح بشأن التحدث إلى نفسك
تتعرض للتنمر لأنك تتحدث إلى نفسك
لاحظت أنك تتحدث إلى نفسك في الغالب، حسب عربي بوست.
التحدث إلى النفس بصوت مسموع "أول طريق النجاح"
قضى يوجين غامبل معظم سيرته المهنية كطبيب أسنان في العاصمة البريطانية لندن، ثم قرر قبل ثلاث سنوات التوقف عما مارسه طوال حياته المهنية ليصبح رجل أعمال.
واجه غامبل مشكلة واحدة فقط، وهي أنه لم يكن جيداً في مجال المال والأعمال. ونتيجة للإخفاقات التي واجهته، تدهورت ثقته بنفسه.
كان من الممكن أن يعود غامبل إلى ممارسة طب الأسنان، لكنه صمم على النجاح في عالم التجارة. لذا استعان بمستشار في مجال المال والأعمال، والذي قدم له مشورة غريبة. يقول غامبل، الذي يساعد الأثرياء ليستثمروا في العقارات السكنية: "طلب مني أن أعبّر عما في ذهني بصوت مسموع".
يقول غامبل: "كان ذلك شيئا غريبا وجديدا بالنسبة لي. لم أكن أعتقد أنه سينجح، ولكن عند التجربة، بدا الأمر معقولا تماماً".
ربما يبدو من الغريب التحدث مع الذات بصوت مسموع لأننا نميل إلى تفسير ذلك على أنه علامة على معاناة الشخص من خلل عقلي. مع ذلك، تشير أبحاث متزايدة إلى أن التحدث إلى النفس يمكن أن يساعد على تنشيط الذاكرة وزيادة الثقة بالنفس والتركيز، وأمور أكثر.
إحساس أفضل عند مخاطبة الذات
تنصح آن ويلسون، طبيبة نفس سابقة ومؤلفة حاليا، زبائنها بالتحدث إلى أنفسهم، إذ لا يعمل ذلك على تحسين ذاكرة عملائها فحسب، ولكنه يغير أيضا الطريقة التي يشعر بها معظمهم. فعلى سبيل المثال، إذا كان مريض يشعر بالغضب فإنها تطلب منه أن يقول ما يغضبه بصوت عال، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تلاشي الشعور بالغضب.
تعتقد ويلسون أن الأمر يتعلق بمن يصغي لما نقوله، وتضيف: "نحتاج جميعاً للتحدث إلى شخص يهتم بما نقول وذكي ويعرفنا جيداً ويدعمنا، ولا يوجد أفضل من أنفسنا للقيام بهذا الدور، فنحن نعرف أنفسنا جيدا ونعرف حقيقة شعورنا، وهو ما يمكن أن يساعدنا على تحسين أحوالنا".
وفي عام 2014، نشرت جامعة ميشيغان دراسة لإيثان كروس تقول إن مخاطبة النفس يمكن أن تجعلنا نشعر بحال أفضل وتغرس ثقة في أنفسنا وتساعدنا على مواجهة التحديات الصعبة. ومع ذلك، يتعين علينا أن نقول الكلمات الصحيحة لكي يحدث ذلك.
أجرى كروس، مع عدد من زملائه، سلسلة تجارب طلبت من المشاركين وصف مشاعرهم مستخدمين اسماءهم أو ضمائر مثل "أنت" أو "هو" أو "هي". ووجد أن التحدث بصيغة المُخاطَب أو الغائب قد ساعد المشاركين في السيطرة على مشاعرهم وأفكارهم أفضل ممن تحدثوا بصيغة المتكلم ('أنا').
وفي دراسة أخرى، طلب كروس، الذي لخص بحثه في مجلة "هارفارد بزنس ريفيو"، من أشخاص أن يشيروا لأنفسهم بصيغة المُخاطَب أو الغائب، ووجد أنهم أكثر هدوءا وثقة بالنفس وأدّوا مهامهم على نحو أفضل من أولئك الذين استخدموا صيغة المتكلم. وقال كروس إن النتائج كانت جيدة لدرجة أنه جعل ابنته الآن تحدّث نفسها بصيغة المخاطب أو الغائب عندما تشعر بالضيق.
تحسين "الذاكرة العضلية"
ولا يتحدث غامبل حتى الآن مع نفسه بصيغة المُخاطَب - حيث يجد ذلك غريباً جداً- لكن مدربه يطلب منه أن يكرر بعض العبارات المطمئنة للنفس بصوت عال، مثل "لا تبذل قصارى جهدك، افعل كل ما يلزم فقط". وعمل غامبل بهذه النصيحة بجدية ويقول إنها ناجحة وفعالة للغاية.
ساعد التحدث مع الذات غامبل على إتقان مهارات العرض في عمله، فقبل لقاءه بأحد المستثمرين الأثرياء، راجع العرض الذي سيقدمه بصوت مسموع، ودون النقاط التي سيقولها وقرأها مرة تلو الأخرى، متأكداً من تصحيح الكلمات التي يتعثر عندها. يقول غامبل: "إنها الذاكرة العضلية، فالأمر يشبه الكيفية التي تعلمت بها العزف على البيانو، فقد كنت أعزف المقطوعة بأكملها حتى أتمكن من تصحيح مواطن ضعفي".
يبدو التحدث إلى النفس بصوت مسموع أمراً مرفوضاً في بعض الأحيان، لاسيما في الأماكن العامة، لكن الأطفال يقومون بذلك، وتشير دراسات كثيرة إلى أن مخاطبة الأطفال لأنفسهم هي جزء مهم من عملية نموهم وتطورهم. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أجريت عام 2008 أن الأطفال بعمر الخامسة أفضل أداءً عند القيام بمهمات عضلية عندما يكونوا قد تحدثوا مع أنفسهم بصوت مسموع مقارنة بالأوقات التي كانوا فيها صامتين. حسب بي بي سي
اضافةتعليق
التعليقات