يوما ما في جلسة بين صديقات العمل تحدثنا عن أحد المواقف التي تعرضتْ لها زميلتنا حين أخذها الحياء عندما رأتْ حقها يؤخذ عنوة، وهنا انهالتْ عليها الأصوات من كل جانب، بين (إن الحياء مرض)، (كان يجب أن تأخذي حقك من أعينهم)، (ما دمرنا غير الحياء).
وغيرها من العبارات التي ذمت الحياء بشكل عنيف، حتى جعلوها تكره ضعفها المسمى بالحياء، وأوصلوا لها رسالة بأن الضعف والحياء توأمان، والقوة وعدمه توأمان، والدليل ما نشاهده من رفاهية مطلقة للآتي نزعن ثوب حيائهن وكيف أن ما يردنه تحت أيديهن وغيرها من الحالات التي غالبا تقارن النساء أنفسهن بهن.
إن الخلط الحاصل في المجتمع بين نوعي الحياء وكيفية تطبيقهما يجعل الناس تنفر منه بل تنهى عنه بالعموم وهذا النهي العمومي يأخذ نصيبه من الإثم، فالأسوة الحسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: "الحياء والايمان كلّه في قرن واحد، فإذا سُلِبَ أحدهما اتّبعه الآخر" فكيف يعود بمضار وهو مقترن مع الدين؟
إن المدح نوعان مدح محمود ومدح مذموم ولكل منه اتجاهه الخاص وطريقة استخدامه فعن النبي الأكرم: "الحياء حياءان: حياءُ عقل وحياءُ حمق، فحياءُ العقل هو العلم، وحياء الحمق هو الجهل".
ومن حياء العقل وهو الحياء الممدوح:
1_ أن يخجل الإنسان من نفسه حين يرخصها أو يذلها أو يجعلها موضع السخرية أو يكثر عليها من الذنوب فيحملها مالا طاقة لها به، فالحياء يلبس الإنسان العزة والكرامة والهيبة والوقار وهذا ما تراه يجلى في أولئك الذين لبسوا رداء الدين الحقيقي حتى ظهر في سيمائهم.
2_ الحياء من المجتمع حيث لا يؤذي أحدا بكلامه ولا يتصرف مع أحدهم تصرفا غير لائق فورد في توحيد المفضل عن الإمام الصادق (عليه السلام): "انْظُرْ يَا مُفَضَّلُ إِلَى مَا خُصَّ بِهِ الْإِنْسَانُ دُونَ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ مِنْ هَذَا الْخَلْقِ الْجَلِيلِ قَدْرُهُ الْعَظِيمِ غَنَاؤُهُ أَعْنِي الْحَيَاءَ فَلَوْلَاهُ لَمْ يُقْرَ ضَيْفٌ «2» وَ لَمْ يُوفَ بِالْعِدَاتِ وَ لَمْ تُقْضَ الْحَوَائِجُ وَ لَمْ يُتَحَرَّ الْجَمِيلُ وَ لَمْ يُتَنَكَّبِ «3» الْقَبِيحُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ حَتَّى إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأُمُورِ الْمُفْتَرَضَةِ أَيْضاً إِنَّمَا يُفْعَلُ لِلْحَيَاءِ فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ لَوْ لَا الْحَيَاءُ لَمْ يَرْعَ حَقَّ وَالِدَيْهِ وَ لَمْ يَصِلْ ذَا رَحِمٍ وَ لَمْ يُؤَدِّ أَمَانَةً وَ لَمْ يَعِفَّ عَنْ فَاحِشَةٍ أَفَلَا تَرَى كَيْفَ وَفَى الْإِنْسَانُ جَمِيعَ الْخِلَالِ الَّتِي فِيهَا صَلَاحُهُ وَ تَمَامُ أَمْرِه).
3_ الحياء من الله وهذا أعظم وأجمل الحياء حيث إنه يهذب كل أعمال الإنسان فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): "رحم الله عبدا استحيى من ربه حقَّ الحياء، فحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما وعى".
أما حياء الحمق أو الحياء المذموم فمنه:
1_ الحياء في العلم: بأن يستحي الطالب أن يسأل المزيد من المعلومات أو يبين عدم فهمه للمادة وغيرها من مشابهات هذا الموقف.
2_ الحياء في طلب العمل وكثيرا نرى من يخجلون في البحث عن عمل وطلبه إذا كان ملائما لهم فعن أبا الحسن علي (عليه السلام) "الحياء يمنع الرزق".
3_ الحياء في طلب الحقوق أو قول كلمة الحق فعن أمير المؤمنين: " من استحيا من قول الحق فهو أحمق".
4_ الحياء في تقديم الخدمات للناس كأن يخجل الإنسان من إكرام أحدهم أو مساعدته والكثير من المواقف التي تحصل في هذا المجال، فأنا كنتُ خجولة من التقديم للضيوف كما أحب المبادرة في تقديم المساعدة لكن كان في داخلي مانع قوي يردعني ألا وهو الخجل ومع مرور الوقت حاولتُ تدريب نفسي على العكس وتخلصتُ من هذه العادة.
يستطيع الإنسان أن يروض نفسه على الحياء الممدوح والإبتعاد عن صنفه الآخر فهو بالتالي فطرة مودعة في الإنسان يسهل استعادتها هي وكل الصفات الحسنة إذ بمجرد أن تغفو صفة يستطيع الفرد أن يوقظها أما الصفات غير الحسنة فإنها مكتسبة وبالمرنة يتغلب عليها الإنسان.
اضافةتعليق
التعليقات