تخيل لوهلة أنك تستطيع استخدام جميع أجهزتك الكهربية بدون الحاجة لإيصالها بمقبس الكهرباء، تخيل أن الحياة كلها بدون أسلاك، تخيل وقتها كيف ستكون الحياة أكثر سهولة وبساطة.
العلم يصنع المعجزات وهو في سبيله لتحقيق خيالك بشكل كامل أقرب مما تتصور، فهذا الحلم ليس حلمك وحدك، بل هو حلم العلماء منذ اختراع الكهرباء.
وحلم نقل الكهرباء عبر الهواء بدون استخدام أي أسلاك أو توصيلات هو حلم قديم، منذ بدأ تسلا (1856-1943) تجاربه العجيبة على الكهرباء. وهو الحلم الذي اقتربت البشرية كثيرا من تحقيقه في صورته الخيالية، وتسلا هو ذلك العبقري الذي اخترع عشرات الاختراعات التي نُسب الكثير منها لغيره من العلماء المعاصرين كإديسون. فتسلا اخترع التيار الكهربي المتردد، واخترع المحرك الكهربي العامل بالتيار المتردد. وقام بتطوير وبناء مولدات الكهرباء على شلالات نياجرا، وأجرى العديد من التجارب على الأشعة إكس (X-Ray) المُستخدمة في التصوير الطبي قبل رونتجن، وأول من استخدم إشارات الراديو في التحكم بالأجهزة الآلية عن بعد، وأول من أنتج البرق باستخدام ملف تسلا وذلك أثناء محاولاته نقل الكهرباء وإشارات الاتصال التلغرافية عبر الهواء. والكلام عن تسلا قد يطول ليستغرق العديد من المقالات، لكننا هنا سنتحدث فقط عن تجاربه لنقل التيار عبر الهواء.
تعود أولى تجاربه لنقل الكهرباء عبر الهواء عام 1891، وقام بنجاح بنقل التيار الكهربي لمسافات قصيرة عبر توليد تيار متردد ذي فرق جهد عال جدا، وفي عرض أمام المؤسسة الأمريكية لمهندسي الكهرباء وفي معرض كولومبس الدولي بشيكاغو عام 1893، قام تسلا بإضاءة مصباح كهربي عن بُعد.
وفي عام 1899 قام تسلا بنقل معمله لمنطقة كلورادو سبرنجز وذلك لأن المنطقة هناك كانت تستخدم تقنيات التيار المتردد في نقل الكهرباء، كما أنهم كانوا على استعداد لتوفير الكهرباء اللازمة لتجاربه مجانا، وبدأ هناك محاولات تطوير نقل التيار لا سلكيا، وقام بإنتاج برق شديد القوة بفارق جهد ملايين الفولتات أدى للعديد من المشاكل في المدينة، منها كهربة شبكة مواسير المياه وكهربة الأرض بالمنطقة المحيطة بالمعمل للحظات، كما تسببت تجاربه في تدمير ملفات مولدات الكهرباء بالمدينة.
وبعد سنوات من التجارب في معمله طور تسلا التقنية بعض الشيء وتمكن من إضاءة 3 مصابيح على بعد أكثر من 3 أمتار، لكن لم يتوقف الحلم، واستمر العلماء في تجاربهم لتحقيقه، فأثناء الحرب العالمية الثانية تم تطوير تقنيات إنتاج الموجات الكهرومغناطيسية القصيرة Microwaves وذلك لاستخدامها في الاتصال والرصد. وحاول العلماء استخدامها في نقل الكهرباء لا سلكيا لمسافات طويلة، وفي عام 1964 نجح ويليام براون في تطوير تقنية لنقل الكهرباء لا سلكيا وذلك عبر توليد تيار مستمر DC باستخدام الموجات القصيرة والتي يتم إسقاطها على هوائي قام باختراعه يسمى Rectenn ، وقام بتشغيل نموذج مصغر لطائرة هليكوبتر عبر بث الكهرباء لها لا سلكيا من على الأرض.
والأبحاث في مجال نقل الكهرباء بدون أسلاك ما زال مستمرًا وذلك بهدف زيادة المدى والكفاءة والتطبيقات، خصوصا التطبيقات التجارية والاستهلاكية. ففريق من العلماء بقيادة مارين سوليايتش في معهد ماساتشوستس للتقنية MIT تمكنوا من نقل الكهرباء بكفاءة 90% على مسافة متر واستخدامها في إضاءة مصباح كهربي بقدرة 60 وات. عن تقنيات الشركة.
وفي عام 2015 نجح فريق علمي في وكالة علوم الطيران والفضاء اليابانية في تحقيق طفرة في تقنيات نقل الكهرباء باستخدام الموجات القصيرة وذلك بعد أن استطاع الفريق نقل 1.8 كيلو وات من الكهرباء، تكفي لتشغيل غلاية كهربية وبدقة ميللي متر وذلك لجهاز استقبال على بعد 55 مترا.
أما حديثا فقد سعت شركة نيوزيلندية ناشئة تعمل في مجال الطاقة وتُدعى «إمرود» إلى إمداد العالم بالطاقة الكهربائية عبر نظام نقل لاسلكي، قالت إنه سيكون أقل تكلفة من الكهرباء المنقولة بالأساليب السلكية التقليدية.
النظام معتمِد على: مصدر الكهرباء تُحولها إمرود إلى موجات ميكرويّة، وهوائيات إرسال ترسل الموجات في صورة أشعة، ومحطات تقوية توجه الأشعة في المسار المحدَّد، وهوائيات استقبال يعاد بعدها تحويل الموجات إلى كهرباء.
وعن هذا قال جريج كُشنير، مؤسس إمرود، إن النظام معتمِد على عناصر عديدة مما نجده في أفران الميكرويف المنزلية، لكن هذه لا تزيد كفاءتها عن 70% فقط، في حين أن كفاءة النظام تقارب 100%، مضيفًا لسنا الأولين [في تطبيق الفكرة]، لكننا أول من يقدم حلًّا عمليًّا قابلًا للتسويق.
واختبرت الشركة نظامها عبر مسافات قصيرة (تصل إلى نحو 40 مترًا)، لكنها قالت إنه مناسب أيضًا للمسافات الطويلة، حتى في الأماكن الوعرة التي يكون مكلفًا جدًّا تركيب أسلاك تقليدية فيها؛ وكل ما يَلزم ألا يُحول بين الهوائيات حائل.
وأما من حيث الأمان، فالنظام يحيط الموجات الميكروية بحلقة وقائية من أشعة الليزر، تُوقف النقل بمجرد اقتراب إنسان أو حيوان؛ وإضافة إلى هذا قال كُشنير إن الطاقة المنقولة ليست خطيرة، وإن التعرض لها كالتعرض للشمس في الظهيرة.
لكن المفترَض والمهم ألا تؤثر هذه التوقفات اللحظية في إجمالي عملية النقل؛ والمفترض أيضًا ألا يؤثر فيها سوء الطقس، وإن أثّر، فيَسهل – على حد كلام كُشنير – إرسال محطات متنقلة بسرعة.
وتخطط إمرود للتعاون مع شركة باوركو في أكتوبر/تشرين الأول المقبل لنقل الطاقة إشعاعيًا عبر مسافة 30.5 كم من بر نيوزيلندا إلى جزيرة ستيورات، بتكلفة يُتوقع أن تكُون نصف تكلفة النظام السلكي التقليدي.
اضافةتعليق
التعليقات