أجيّش ذكرياتي الموغلة بالِقدَم، وأوقظ أمنياتي النائمة منذ الأزل، فأراها متوثبة على غير عادتها، تنفض غبارا قد علاها منذ زمن بعيد.
هل أراها تسابقني لتسبقني ؟ وأنا من أملك بيدي ناصيتها ، وأقود زمامها بإرادتي ، عجبا لها من ذكريات تأبى مغادرة محطات ذاكرتي ، وتمتنع عن الغياب القسري الذي أحاول جاهدة أن أوجده كحيّز تنفذ من خلاله ، لعلها تحسن الهروب ولو مؤقتا ... لكنها تأبى الإنصياع وتصر على الحضور كأنها تعاندني لتكسرني .
آه من ذكريات الماضي البائس الحزين ، لماذا تصر ذاكرتي على الإحتفاظ بكل ما يعكّر صفوها ويمزق خيوطها ؟ ولماذا تُبقي الباب مواربا لكل متطّفل يروم الخراب ويزرع اليباب ؟ ولماذا تخزّن بين ثناياها كل منمنمات الحياة حلوها ومرّها ؟!
وحتى هذه اللحظة أردت أن أكون الفتاة المتفائلة دوما ... مَن تصنع ٱبتسامتها بلا تكلّف أو تزلّف ، أردت أن أكون إنسانة بلا رتوش عفويّة في كل تفاصيل الحياة .. منبسطة الأسارير .. أريحية الصفات .. طَلِقة المُحيّا.. بسيطة مأمونة الجانب ؛ يأنس لها من يقترب إليها ، فهل الأنسنة غدت صعبة المنال إلى هذا الحد؟!
أردت لروحي أن تحوم حولها أرواح الطيبين البسطاء ، أن تكون شفّافة بريئة كبراءة طفل وديع ، لم تتلوث براءته بعد ، ولم أُرد لها أن تتربع عرش التعالي لتنّفر الآخرين عبر مماحكتها أو الإزدلاف اليها...
هل تراني أتكلّف الحياة ؟! أم أنّ سقف طموحاتي مرتفع لا تطاله كف ؟! عجبا لكل الأحاسيس المتوّهجة رغم صقيع الشتاء ، ورغم كل محاولاتي لدفن ما تبقّى من مشاعر ميتة لا حراك فيها ولا حياة .
ألا تبّا لتلك الذكريات المُوجعة المتحايلة على الحضور رغما عن أنفي ... وبُعدا لكل المحطات القلقة والمحفورة في أخاديد ذاكرتي العتيدة ... هي ذاكرتي وليس سواها تأبى لي نسيان مُوجعات الروح ومنغّصات الراحة.. وتتمّنع عليّ وترفض مسايرتي ، لكنها تظل ذاكرتي على كل حال ... وأنا بحاجة لها كما هي بحاجة لي ، لأنقش فيها حاضرا ورديّا مُفرحا ، يكون لي ماضيا رقراقا في قادم الأيام .
اضافةتعليق
التعليقات