(القصة الفائزة بالمرتبة الاولى في مهرجان أجنحة السلام)
يسدلُ الليلُ ستائرهِ بألوانها السوداءِ المخملية، ويُقبل القمر مع عباءتهُ الفضيةَ، وتأوي الطيورُ إلى أعشاشها تحتضنُ صغارها برفق وحنيةَ ويزحفُ الصمتُ بخطاهِ الواثقةَ، يسودُ الهدوءَ الكرةَ الأرضيةَ، تنامُ أعَينُ البشرِ مطمئنةَ، الا عين واحدة ساهرة على النوم عاصية، تحاكي قدرها، ترتّل آيات حزنها وابيات عزائها، وحده الليل يسمع صرختها ويعلم وجعها، كل من حولها يذكرها بصوته بطيفه.
الارض والسماء تشهد على ما جرى، تقف عند تلك المدينة الخاوية عند منتصف الليل لترى التراب مُبتل يحمل اثر تحركات أطفال، جُدران متشققة بالية، خُطىً غَابت القمر دونَ أن ينير دربها، تعثرت بالركام، لتعاوِدَ المسيرَ حين يودع الليل نجومه.
كَانت هذه الوقفة لامرأة ثكلى، مليء بالصَّخب يومها، حِكاياتٌ تتلوها مدينة عَلى مَسامِع كل انسان لعله يتصد لكنه صامِتْ بلا ضَجيج هو الاخر.
لتَهبَ النار محملةً فتُصبح ارجاء المدينة مشتعلة، ذابت تحتَ وطأتها الشباب والاطفال، دموع السّماء اطفأت جمرة قلبها فهي أم مفجوعة لا احد يجبر كسرها غير السماء، عامر قلبها بحنان ولدها لكلماته التي مازالت ترن في مسامعها لم يناديها أمي بل قلبي وحياتي وصديقتي، غادرتها تلك الكلمات عندما غادرها طارق، كَان لها كل الحياة وبهجةٍ وكل ايامها، فأصبحت رثاءً تنعى ما بقي من عمرها، صوتُ عويل لأمٍ أضناها الشوق واتعبها القدر، بالأمس زوجها العاجز فكأن اخر احلامها ان تحتضن ما بقي من الحياة بحلوها و مُرها ببكائها بصداها.
فقد اكتفيت بزوجها العاجز وتكفلت بأمور الاسرة فكانت الام والاب، امتلأت بصفاء روحها راضية بقضاء الله وقدره، لخطواتٍ تبَعثرت ذاتَ يوم سنين عجافها اخذت زهرة حياتها طارق لم يكن فقط الولد فكان الاب والاخ والحبيب والابن، عَبرةٌ ساخنة وصرخة تعلو صداها في السماء: اين انت يا ولدي.. لا تحيرني ان كنت حيا فارجع الى حضني وان كنت ميتا فاعطني علامة تدلني عليك.؟
تشم ريح طارق ولا تملك قميصه، من بين الجثث المتفحمة ظهرت لها قدم ولدها وكأنه لبى نداء امه!!
ها هي رائحته عالقة في زوايا الأفئدة، عرفته ورب السماء والطارق، آه يا ولدي و يا قرة عيني، حرقوه قلبك حرقوه جسدك، كسرت ظهري، طارق مالي بعدك، هكذا ترحل من دون وداع واحتضان، يا رفيقي الحزين، يا عمري المسلوب قهرا وغصبا، أدمنت صوتك، وأدمنت وجودي معك، ثمّ فتحت عيني على غيابك ورحيلك...آه يا لقسوة القدر.
عندما استيقظ وجدت نفسي على زلزال رحيلك من حياتي، أصعب شيء أن أفارق روحاً ولا تفارقني، ويبقى صوتك في أذني، وتغيب وتبقى صورتكِ في عيني، وترحل وتبقى أنفاسكِ في قلبي، وتختفي ويبقى طيفك خلفي، يمزّقني يقطعني.
أن أغمض عيني فأراك، وأن أغفو، وأن أنظر على سطوركِ وتدمع عيني، وعندما أعود لواقعي لا ارى سوى برواز اسود خلف صورتك.
آه أن يأتي العيد وأنا وحيدة، وأن يطرق الحزن بابي وأنا وحيدة، وأن يمضي بي أغلب العمر وأنا وحيدة، ولا أحد يمسك بيدي، وأن أكتب فلا يصلك صوتي، ولا حتى صداي، وأن أصرخ فلا يصلك صوتي، وأن ألفظ أنفاسي فلا أراك، يا هلال ما كان اقصر عمره، انت الان في وادي السلام ترقد بأمان عند من قتلت من اجله ومن حرقوا جسدك من اجل حبه، لا خوف عليكم ولا تحزنون انتم في دار علي امنون.
اضافةتعليق
التعليقات