هناك فرضيتان يطرحهما علماء العلوم الطبيعية حول خلقة الكائنات الحيّة أعم من النباتات والحيوانات.
أ: فرضية تطور الأنواع التي تقول بأن الكائنات الحيّة لم تكن بشكلها الحالي من الأوّل، بل في البداية كانت أوليات وحيدة الخلايا حيث تكونت في المحيطات وبين رواسب البحار إثر طفرة؛ يعني بعد أن مرّت الكائنات الميتة في ظروف خاصة، وجدت من بينها الخلايا الحيّة الأولية.
ثم تطورت هذه الكائنات الحيّة المجهرية وتبدلت من نوع إلى نوع آخر. إلى أن انتهت حلقة التكامل إلى الإنسان الفعلي الذي وجد من تطور حيوانات من قبيل القردة ومن بعدها القردة الشبيهة بالإنسان.
ب: فرضية ثبوت الأنواع التي تقول بأنّ الكائنات قد ظهرت بشكل منفصل ومستقل بنفس شكلها الحالي،
ولم يتبدل نوع إلى نوع آخر. وكذلك الإنسان قد خلق بشكل مستقل وقد خلق بنفس هذا الشكل.
علماً أنّ الأدلة العقلية والفلسفية ليس لها طريق إلى هذه المسائل، وأما يد التجربة والإختبار فأقصر من أن تمتد إلى مسائل قد امتدت جذورها إلى ملايين السنين.
وإنّ أقصى ما ندركه بالحس والتجربة لا يتعدّى بعض الحالات السطحية، ولفترة زمنية متباعدة، على شكل طفرة وراثية (موتاسيون) في كلّ من الحيوان والنبات.
فمثلاً... نرى أحياناً في نسل الأغنام العادية ولادة مفاجئة لخروف ذي صوف يختلف عن صوف الخراف العادية، فيكون أنعم وأكثر لينا من العادية بكثير، فيكون بداية لظهور نسل جديد يسمّى (أغنام مرينوس). أو أنّ حيوانات تحصل فيها الطفرة الوارثية فيتغير لون عيونها أو أظفارها أو شكل جلودها وما شابه ذلك.. لكنّه لم يشاهد لحدّ الآن طفرة تؤدي إلى حصول تغيير مهم في الأعضاء الأصلية لبدن أيّ حيوان، أو يتبدل نوع منها إلى نوع آخر.
بناء على ذلك.. يمكننا أن نتخيل أنّ نوعاً من الحيوان يتحوّل إلى نوع آخر بطريقة تراكم الطفرة الوراثية، كأن تتحول الزواحف الى طيور ولكنّ ذلك ليس سوى حدس ومجرّد تخيل لا غير، ولم نر الطفرات الوارثية قد غيرت عضواً أصليا لحيوان ما إلى صورة أخرى.
وعلى فرض التسليم الجدلي بصحة النظرية فإن أقصى ما تثبته أن طريقة الخلق والايجاد للاشياء تمت بصورة تدريجية لا دفعية وهذا في حدّ نفسه لا يوجه أدنى خدشة للتوحيد والرؤية الاسلامية للكون والحياة وأصل نشوء الأشياء؛ بل تعزز وتضيف أدلة جديدة لاثبات وجود الله من خلال ما يسمى ببرهان النظم.
والشاهد على ذلك أن المؤيدين للنظرية من المسلمين والمدافعين عنها استندوا أحيانا الى القرآن الكريم لاثبات مدعياتهم وإن اختلفنا معهم في طريقة التعاطي مع الآيات وإدراك مضامينها.
ويبدو من ظاهر القرآن أن خلق النبي آدم في البداية كان من طين من حمأ مسنون وبعد اكتمال جسمه، نفخ فيه الروح الإلهي وبعد ذلك سجد له الملائكة إلا إبليس. إن أسلوب هذه الآيات يدلّ على عدم وجود أنواع أخرى بين خلقة آدم من التراب وبين تكوّن هذه الصورة الحالية.
وتعد نظرية التكامل الداروينية من أبرز النظريات التي طرحت في القرون المتأخرة وقد تمكنت من إثارة الشارع العلمي والاجتماعي والسياسي وحمي الوطيس خلالها وأشتد الجدل حولها حيث انقسم الشارع بين مؤيد لها ومعارض وهناك من فضل السكوت وعدم الخوض في هذا المعترك الخطير. فبالاضافة إلى الكتب العلمية التي صدرت من الفريقين، كانت النظرية المذكورة هي مادة الحوار الدسم والجدل القوي في الكثير من المؤتمرات والمناسبات والحوارات العلمية واللقاءات السياسية و...
منشأ التكامل
ذهب بعضُ علماء الطبيعة كلامارك وداروين وغيرهم ممن خاضوا في هذه القضية إلى القول بأن مبدأ التكامل ومنشأه يكمنان في الحاجة الطبيعية للكائنات وقانون تنازع البقاء ونظرية البقاء للأصلح، وخرجوا بنتيجة مؤداها أنّ تلك العوامل الطبيعية وغيرها تؤدي إلى تغيير أعضاء الموجودات وتركيباتها الجسمانية بحيث توفر الفرصة للأصلح بمواصلة طريقه التكاملي فيما تلغي الأضعف وغير الصالح وتقصيه من ساحة الوجود. فهؤلاء لما انطلقوا في الحركة والتكامل من مبدأ مقولة الحاجة والتنازع كانت النتيجة الطبيعية التي انتهوا إليها هي حتمية القول بالاختيار الطبيعي والتكامل.
أدلة القائلين بالتكامل:
يمكننا تلخيص أدلتهم بثلاثة أقسام:
الأوّل: الأدلة المأخوذة من الهياكل العظمية المتحجرة للكائنات الحيّة القديمة فإن الدراسات لطبقات الأرض المختلفة (حسب اعتقادهم) تظهر أن الكائنات الحيّة قد تحولت من صور بسيطة إلى أخرى أكمل وأكثر تعقيداً، ولا يمكن تفسير ما عثر عليه من متحجرات الكائنات الحيّة إلّا بفرضية التكامل هذه.
الثّاني: مجموع القرائن التي جمعت في (التشريح المقارن).
ويؤكّد هؤلاء العلماء عبر بحوثهم المطولة المفصلة: إنّنا عندما نشرّح الهياكل العظيمة للحيوانات المختلفة
ونقارنها فيما بينها، نجد أن ثمّة تشابها كبيراً فيما بينها، ممّا يشير إلى أنّها جاءت من أصل واحد.
الثّالث: مجموع القرائن التي حصل عليها من (علم الأجنّة).
فيقولون: إنّنا لو وضعنا جميع الحيوانات في حالتها الجنينية- قبل أن تأخذ شكلها الكامل- مع بعضها، فسنرى أنّ الأجنّة قبل أن تتكامل في رحم أمهاتها أو في داخل البيوض تتشابه إلى حد كبير.. وهذا ما يؤكّد على أنّها قد جاءت في الأصل من شيء واحد.
أجوبة القائلين بثبوت الأنواع:
إلّا أن القائلين بفرضية ثبوت الأنواع لديهم جواب واحد لجميع أدلة القائلين بالتكامل وهو: أن القرائن المذكورة لا تملك قوّة الإقناع، والذي لا يمكن إنكاره أن الأدلة الثلاثة توجد في الذهن احتمالا ظنيا لمسألة التكامل، إلّا أنّها لا تقوى أن تصل إلى حال اليقين أبدا. وبعبارة أوضح: إنّ إثبات فرضية التكامل وانتقالها من صورة فرض علمي إلى قانون علمي قطعي.. إمّا أن يكون عن طريق الدليل العقلي، أو عن طريق الحس
والتجربة والإختبار، ولا ثالث لها.
أمّا الأدلة العقلية والفلسفية فليس لها طريق إلى هذه المسائل كما نعلم، وأما يد التجربة والإختبار فأقصر من أن تمتد إلى مسائل قد امتدت جذورها إلى ملايين السنين.
إنّ ما ندركه بالحس والتجربة لا يتعدى بعض الحالات السطحية، ولفترة زمنية متباعدة، على شكل طفرة وراثية (موتاسيون) في كل من الحيوان والنبات.
فمثلا.. نرى أحياناً في نسل الأغنام العادية ولادة مفاجئة لخروف ذي صوف يختلف عن صوف الخراف العادية، فيكون أنعم وأكثر لينا من العادية بكثير، فيكون بداية لظهور نسل جديد يسمّى (أغنام مرينوس).
أو أنّ حيوانات تحصل فيها الطفرة الوارثية فيتغير لون عيونها أو أظفارها أو شكل جلودها وما شابه ذلك.. لكنّه لم يشاهد لحدّ الآن طفرة تؤدي إلى حصول تغيير مهم في الأعضاء الأصلية لبدن أيّ حيوان، أو يتبدل نوع منها إلى نوع آخر.
بناء على ذلك.. يمكننا أن نتخيل أنّ نوعاً من الحيوان يتحوّل إلى نوع آخر بطريق تراكم الطفرة الوراثية، كأن تتحول الزواحف الى طيور ولكنّ ذلك ليس سوى حدس ومجرّد تخيل لا غير، ولم نر الطفرات الوارثية قد غيرت عضوا أصلياً لحيوان ما إلى صورة أخرى.
نخلص ممّا تقدم إلى النتيجة التالية: إن الأدلة التي يطرحها أنصار فرضية (الترانسفورميسم) لا تتجاوز كونها فرضاً لا غير، لذا نرى أنصارها يعبرون عنها ب (فرضية تطوّر الأنواع) ولم يجرأ أيّ منهم من تسميتها بالقانون أو الحقيقة العلمية.
اضافةتعليق
التعليقات