استفقت في الساعة الثالثة فجرا من النوم على غير عادتي، ترجّلت من الفراش بخوف مهرولة نحو المطبخ أُقبّل كوب الشاي خاصّتي بحرقة لانني حلمت بأنه وقع من يدي اليسرى!.
هو عبارة عن كوب زجاجي اسمر يزركشه نقش خفيف على شكل دمية ناعمة الوجه رقيقة الملامح، يخيّل لي حين اشرب به شايّا متوسطا بسكر قليل جدا وكأني ارى عالم اخر يشبه حلقة من برنامج عالمي يثير التساؤلات حول شبهة اصبحت قضية رأي عام.. وهكذا كان حال حلمي المخيف قضية رأي عام للمطبخ..
وما ان اطمئننت على رفيق صباحي ومؤنس وحدتي الليلي تراجعت خطوات فزعي وهدئت ثم على غفلة تذكرت فلسطين، فلسطين تلك الملقبة ببلاد الزيتون واضاف الزمن لها القاب مميزة مثل ارض الجثث واروقة الدماء وبلاد التعاسة..
اما عني اُلقبها بفلسطين المغتصبة.. فتفاقم الحروب الاسرائيلية عليها جعلها ارض محظورة عن العالم حيث الخطط التي تنفذت ضدها كانت لئيمة لدرجة تعدت كل الحدود والاعراف الانسانية قبل الدينية، فتلك البلاد العروسة التي تزيّنت بتأريخ مؤلم لا بدّ لها ان تلد النصر ذات يوم وتشيّد به ما هدم على يد الحروب الوضيعة ولو بعد دهر..
اتذكر حديثا مع امرأة فلسطينية اخبرتني عن كم ضئيل من معاناتهم في حياتهم داخل وطنهم الموقر لكن اكثر ماجذبني انها قالت حين تصادف مناسبة ما تحتاج الى احتفال وابتهاج يقومون بالتحضيرات لها سرا كي لا يعرف العدو بذلك فيتم القصف عليهم عشوائيا!.
بدون ايّة مقدمات صفعت ذاكرتي بكف من النسيان لحديثها المريب محاولة بذلك ان لا اجعله يؤثر في امجاد وطنيتي او يجعلني استصغر خوفي بعلاقتي مع كوبي المفضل امام مواجع القُدس، بينما انا في اعماق نفسي قد استصغرته وانتهى الامر لكنني لم أعترف بذلك ربما تكبرا وربما نكرانا للواقع!.
لذا عُدت بهدوء الى فراشي الزهري ارى ماعليه من بقايا كتب دراسية وتأريخية ومنها كتب لكُتّاب وروايات، ففكرت ان هذه الكتب والاوراق والاقلام قد سببت لي ارهاقا فكريا، عليَّ ان اتركها كي أعاود نشاطي المعتاد..
رحتُ الملمها حتى ظننت ان علاقة الغرام بيننا بحاجة الى وجهة اخرى بعيدة عن الاطلاع والمعرفة وجهة تأخذني لأعيش تجربة كوبي الذي وقع في الحلم!.
ماذا ان كسرته، ماذا ان لم اعد اشرب به الشايّ ولم ارَ فيه العالم الذي طالما احببته بسبب جماليته؟!
تراجعت خطوات قدمي للخلف واخذ عقلي يتقدم بافكاره خطوات الى الامام..
دخلت الى المطبخ الملون بالصمت.. انتشلت من احدى زواياه كوب الشاي خاصتي، خرجت الى ساحة المنزل فكسرته!، اردت ان اعرف ماذا سيحصل بي، فأكتشفت انني متعلقة به جدا اكثر مما ظننت، الى درجة جعلتني افكر بالانتحار، ولكن كيف لفتاة شرقية تعيش في مجتمع عربي ان تفكر بهكذا امر خطير على سمعة عائلتها قبل سمعتها، امر قد يستحقر الناس على اثره كل افراد العائلة دون ذنب!، إضافة الى انه من الامور المحرمة على البشر.
لا اعرف من اين اتيت بهذه القوة لأكسره ربما لانني وضعت رحمة الله في طريقي.. وبعد عدة اشهر من الغضب، الخوف، العصبية وحتى الدموع.. اعتدت فراقه و وراء سنة أو اكثر بقليل بقيَ الكوب فقط كذكرى وموقف مررت به حزينة وعشت خلالها تعاسة غير معقولة وبعد فترة رغم طول زمنها استطعت العيش من جديد..
وادركت انني لست فلسطين الحزينة التي مهما مرَّ عليها الزمن لن تشفى من جراحها المكشوفة...
وكذلك ادركت فعليا ان الامور او الاشخاص الذين تكون علاقتنا معهم وقتية او هي علاقة فاشلة اساسا او الذين نخاف فقدهم مستقبلا، علينا ان نفقدهم كي نحظى بالسلام، فإن عادوا الينا سيكون حالنا كالموصل حين دحروا الارهاب منها وعادوا لها اهلها بعد حريتها المطلقة وان لم يعودوا سيكون الحال ككوب الشاي الذي تقصدنا كسره فانقذنا انفسنا من الخراب النفسي.
اضافةتعليق
التعليقات