- مرحبا استاذي
- مرحبا عزيزي اهلاً بك
- هل لي أن اطرح عليك بعض الاستفسارات.
- بالطبع، على الرحب والسعة
- هل نستطيع أن ندرك خلق الكون وكيفية تكويننا..
- انظر عزيزي، تأمل مسير العالم وانظر الى المخلوقات، من يفهم ويعقل يرى بأن الانسان افضل المخلوقات بقدرته على التفكير والتمييز.
- نعم
- هل تجد من هو اعظم من الانسان بالمخلوقات حولك؟
- لا، نحن البشر لنا هيمنة على كل المخلوقات.
- جيد، وترى بأن البشر متساوون في تركيبهم وتكوينهم وكل له عقل يفكر به ليميز كيف يسير ويختار الطريق الاصلح وهذا اهم ما تميز به البشر.
- نعم.
- فهل يمكن لأحد من البشر ونحن مسلّمون بأنه مخلوق بأن يخلق بشراً مثله..
يعني هل تتوقع بأن بداية هذا الكون وتكوينه جاء على يد أحد من هؤلاء البشر.
- لا، بالتأكيد ﻷن البشر كلهم متساوون ويتميز البعض عن اﻵخر بطريقة تفكيره واستخدامه لعقله. فلا بد أن يكون الخالق الذي خلق هذا الكون وجعل للانسان الافضلية أعظم من كل هذه المخلوقات وله الهيمنة على الكون ولا يشبه أحد من خلقه، بل هي قوى خفية لا تدركها عقولنا، ﻷن عقولنا أيضا مخلوقة.
- بوركت بني، وهل ترى الدقة بالنظام وتعاقب الليل والنهار، ظهور الشمس في الصباح وطلوع القمر في المساء، واعضاء جسم الانسان وحركتها واستنشاق الانسان للاوكسجين والنبات يتنفس ما يزفره الانسان من ثاني اوكسيد الكاربون، كل هذه الدقة في الصنع والنظام المتبع هل يعقل أن يتحكم به اثنان!.
- لا أتصور ذلك، انما هو خالق ومدبر واحد، مسيطر على الكون كله، فلو كان هناك أكثر من صانع ومهيمن لوجد بعض الاختلاف والاختلال بالنظام، ﻷنه لا يمكن لاثنين أن يسيرا بنظام واحد ثابت وبهذه الدقة. ولكان هناك أثر لكل منهما.
- بالضبط، فهو اذن خالق واحد جبار قدير مهيمن على الكون كله، وهو لا يمكن أن تدركه الافهام والعقول وليس كأي خلق، فهو الخالق العظيم الذي خلق الكون منذ اﻷزل حيث لم يكن شيئا موجوداً إلا هو فأحب أن يخلق هذا الخلق، ولم يخلقه عبثاً بل لابد من هدف لخلقه.
- وما هو هذا الهدف؟
- الخالق العظيم غير محتاج لهذا الخلق فهو قادر على كل شيء وهذا الكون يخضع لسيطرته فهو منشئه وحاكمه. كمن يصنع آلة هو كوّن هذه اﻵلة وعارف بعملها ومحتواها فهو يتحكم بها ويستخدمها كما يشاء كذلك الخالق كوّن هذا الكون ويديره كما يشاء.
وهو يتصف بصفات عظيمة لا توصف وصفاته هي ذاته غير منفصلة عنه فهو القوي المهيمن الرحيم الرؤوف البديع فأراد أن يخلق البشر على هذه الهيئة ويعرفهم عظمته ويغدق عليهم بعطاياه، كمن يربي القطط ويهتم بها فهو غير مستفيد منها ولا بحاجة إليها لكن أحب هذه القطة ولرحمته بها أراد الاهتمام بها.
ولرحمة اﻹله العظيم وحبه لخلقه خلق الكون كله بخدمة الانسان فالنباتات والحيوانات سخرت لحاجة الانسان وجمال الطبيعة الذي يرتاح الفرد برؤيتها، وميز هذا الانسان بعقله وجعل له الهيمنة على باقي المخلوقات، وأودع به من صفاته الجميلة ففطره على الحب والصلاح، وعرفه الطريق اﻷصلح له ولحبه له ورحمته جعل هذه الحياة ممراً لحياة خالدة يعيش فيها منعماً، ووهب له حرية الاختيار.
- وكيف عرفه الطريق اﻷصلح وجعل له حرية السير بما يشاء.
- عرفه ذلك من خلال اختياره ﻷفراد من الخلق عَلِم منهم الطاعة المطلقة له والاخلاص في الحب. فجعلهم وسيلته في هداية البشر لما هو خير وما أراده منهم.
لم يجعل له حرية مطلقة للتحكم في العالم فهو المسيطر والمتحكم في الكون، إنما اعطاه حرية اختيار طريقه وجعل عواقب لكل طريق، لكن لم يفوض له الامور مطلقاً فهو يفعل ما يشاء، وما يرى الحكمة فيه والمصلحة للخلق أو التأديب له يجعله له وهو مراقب لحركة العالم أجمع.
- هذا يعني بأنه على مدى العصور اختار المصلحين وبعثهم لهداية خلقه وتعريفه لهم وبيان أوامره ونواهيه.
- نعم، وبتعاقب الايام يتغير فكر الانسان وكلما تأمل في الكون وسعى لاكتشافه واراد الوصول لحقائق الامور يزداد وعياً واعطى عقله حقه باستخدامه بالتفكير واستطلاع الحقائق.
- هذا يعني بأننا نستطيع من خلال عقولنا التوصل لمعرفة كل شيء.
- ليس كل شيء فهناك بعض اﻷمور لا تدركها عقولنا، كعظمة الخالق وتكوينه لهذا الكون بهذه الدقة وتحكمه به، فهناك بعض اﻷمور هو من يرشدنا لها ﻷن عقولنا لا ترقى لمعرفتها.
- وهل لنا أن نميز نحن الاصلح كي يرشدنا لمعرفة الخالق وطاعته.
- لا، لايمكننا ذلك، فهو اﻷعلم بخفايا النفوس وهو من يحدد ويختار الشخص اﻷنسب لتعريفه للخلق وانقاذ الانسان من الضلال.
- وكيف يكون ذلك؟
- هو القادر، عالم ومطلع على كل ما يفعله خلقه أو ما سيفعله، وهو إذ أحب خلقه وأراد لهم الخير، علم من منهم مخلص له بالطاعة والحب، فاختارهم وأوحى لهم وألهمهم المعرفة وقربهم إليه، ففضلهم على سائر الخلق ووهب لهم من علمه وجعلهم شهوداً على خلقه.
- وهل كان جميعهم يحمل فكراً واحداً ويتصفون بنفس الصفات؟
- بالطبع لا فهناك تفاوت بالدرجات وامتاز بعضهم على بعض فكان أفضلهم نبينا محمد عليه وعلى آله افضل الصلاة والسلام.
- فلِمَ اذن اختار العديد من الانبياء والاوصياء لكي يبلغوا عنه؟
- قد جعل الحياة تسير بما يتناسب وفهم الانسان في كل زمن وهو أعلم به وبما ينفعه، فأوضح لهم شيئاً فشيئاً بما يتناسب وطبيعتهم وتمهل معهم.
- لكن ألم يخلقهم سواسية ولا اختلاف بين البشر فكيف اذن هذا الاختلاف بين العصور.
- نعم سواسية بما منحهم، وقد وهبهم العقل جميعاً لكي يصلوا الى الحقائق بأنفسهم ويختاروا ما يريدوا هم فيقرروا مصيرهم وفق ما يقدمونه من مقدمات.
لكنهم لم يتنبهوا لهذه النعمة العظيمة والميزة التي ميزهم بها ربهم فلم يستخدموه جميعاً كما يجب وخالفوا فطرتهم، وقد أمهل الخالق لهم عبر القرون وبسط لهم الامور شيئاً فشيئاً ولم يكلفهم بما لا يطيقوا فهو رحيم عطوف عليهم.
وكان هناك اختلاف بالاحداث والميول والثقافات عبر العصور، ولذا تعددت رسله واوصيائه الذين نصبهم لبيان حكمه وقوانينه.
- وهل اختلفت دعوتهم؟
- بالطبع لا، هل يكلف الخالق العليم أو يقر في كل زمان أمراً مختلفاً لخلقه، هذا يكون مخالفا للحكمة أن يغير في كل زمان أمره ويدعو ﻷمر جديد.
بل كل انبيائه ورسله واوصيائهم الذين اختارهم كانوا يدعون ﻷمر واحد ألا وهو طاعة الخالق والذوبان في حبه والاتصاف بالخلق الحسن ونفي كل صفة مذمومة والابتعاد عنها لينعموا بنعيم خالد أعده لهم خالقهم العظيم.
- فاذن نحن لا نستطيع أن نختار أو ننصب من يكون خليفة للخالق ويدعو له..
- نعم، ﻷنه ليس لنا أن نحدد أو نعرف من يمثل الله في خلقه وينقل لنا أوامره فهو العالم بمن يكون أهلاً لذلك فينصبه خليفة له وهو القائل: "إني جاعل في اﻷرض خليفة.." فهو من يجعل خليفة له ويختاره لعلمه بنفوس سائر الخلق..
خُذ مثلاً رئيس دولة أو ملك يحكم بلاداً واسعة، هل يجعل للرعية أن يختاروا له وزيره وممثله أمام رعيته أم هو من يختاره ويعينه وزيراً له يسانده؟.
- بالتأكيد هو من يختار من يمثله.
- أحسنت، فما بالك بملك الكون العظيم هل يترك هذا العالم الفسيح الدقيق بيد سائر خلقه وهو العالم بكل شيء.
- حقاً، كلامك صائب لا يمكن أن يترك ذلك لسائر خلقه وهم مختلفون بفهمهم للأمور فهذا مخالف لحكمته وعظمته.
- لذا عزيزي فخالقنا العظيم الله جل علاه الذي لا ندرك عظمته وحكمته، بعث إلينا برسله وهو من اختارهم ونصبهم لعلمه باستحقاقهم وأفضليتهم، وهم لم يقدموا أنفسهم على حب خالقهم وكلهم دعا لطاعته وكانوا الافضل من بين من يحوطونهم من البشر في زمانهم، تميزوا بخلقهم السامي وحبهم للخير وانسانيتهم الفائقة.
ولم يترك خلقه سدى أبداً، ففي كل زمان جعل خليفة عليهم ولكي لا يدع لهم حجة بمخالفته.
- فماذا بعد نبينا الكريم محمد صلواته عليه وعلى آله الكرام؟!
- الرسول عليه افضل الصلاة والسلام قد نصب خليفة من بعده، بأمر من الله تعالى وطول حياته كان يشير ﻷفضلية أهل بيته عليهم السلام ووجوب اتباعهم ومحبتهم..
لنستقرىء بعض الآيات والنصوص التي تبين ذلك:
قال تعالى:
"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" سورة البقرة، آية 30.
"وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" سورة البقرة، آية 124.
"وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ" سورة النحل، آية 36.
"وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" سورة الدخان.
"فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51)" سورة مريم.
وجاء في كتاب (السنة، ج2، رقم الحديث 1222، ص799) للإمام أبي بكر بن أبي عاصم، المتوفى 287هـ، تحقيق الأستاذ الدكتور الجوابرة: (عن يحيى بن سليم أبي بلج عن عمر بن ميمون عن ابن عباس قال: قال رسول الله لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست نبياً، وأنت خليفتي في كل مؤمن من بعدي).
وفي ( فرائد السمطين) للجويني الشافعي، ت 722 هـ ـ قول رسول الله صلّى الله عليه وآله:
«أيّها الناس، إنّ الله عزّوجلّ أمرني أن أنصب لكم إمامَكم، والقائمَ فيكم بعدي، ووصيّي وخليفتي»، إلى أن قال: « ولكنّ أوصيائي منهم، أوّلُهم أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمّتي، ووليُّ كلِّ مؤمنٍ بعدي..
فيما روى القندوزي في: ( ينابيع المودّة:233) عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: "لا تَقَعُوا في عليّ؛ فإنّه منّي وأنا منه، وهو وليّي ووصيّي من بعدي".
وفي الحديث القدسي الشريف الذي يرويه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أيضاً الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في ( ينابيع المودّة:79 و 126) أنّ الله تبارك وتعالى قال في عليٍّ سلامُ الله عليه: "يا ملائكتي، أُنظروا إلى حُجّتي في أرضي كيف عَفَّر خَدَّه في التراب تواضعاً لعظمتي، أُشهِدُكم أنّه إمامُ خَلْقي، ومَولى بَريّتي".
وفي (مقتل الحسين عليه السلام:41) روى الخوارزميّ عن الأصبغ بن نُباته أنّ سلمان الفارسي سُئل عن عليٍّ وفاطمة عليهما السلام فقال: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول:
«عليكم بعليّ بن أبي طالب؛ فإنّه مَولاكم فأحِبُّوه، وكبيرُكم فأكرِموه، وعالِمُكم فاتّبِعوه، وقائدكم إلى الجنّة فعَزّروه. إذا دعاكم فأجيبوه، وإذا أمرَكم فأطيعوه. أحِبُّوه بحبّي، وأكرِمُوه بكرامتي. ما قلتُ لكم في عليٍّ إلاّ ما أمرني به ربّي جلّت عظمته» (رواه أيضاً الجويني الشافعي في: فرائد السمطين:65).
وعن عمر بن الخطّاب روى الكشفي الحنفي الترمذي، ت بعد سنة 1025 هـ ـ في كتابه (المناقب المرتضوية:129) أنّه قال: لمّا عَقَدَ عَقْد المؤاخاة بين أصحابه قال: « هذا عليٌّ أخي في الدنيا والآخرة، وخليفتي في أهلي، ووصيّي في أُمّتي، ووارث علمي، وقاضي دَيني... » (رواه أيضاً: علي الهمداني في: مودّة القربى:60).
وانظر أيضاً كيف الامام علي عليه السلام يصف عظمة الخالق في خطبته الأولى المنقولة في كتاب نهج البلاغة:
"..الَّذِي لَا يُدْرِكُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ وَلَا يَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ وَلَا نَعْتٌ مَوْجُودٌ وَلَا وَقْتٌ مَعْدُودٌ وَلَا أَجَلٌ مَمْدُودٌ فَطَرَ الْخَلَائِقَ بِقُدْرَتِهِ وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الْإِخْلَاصُ لَهُ...".
لذا فالعلم الحقيقي يتطلّب عيناً باصرة، وعقلاً زاكياً، وقلباً متّجهاً إلى الله تبارك وتعالى يريد المعرفة، لا الرياء ولا المراء، ولا إشباع النزعات المتعصّبة العمياء. ويتطلّب أيضاً شجاعة تجعل المرء يقرّ بالحقيقة ولا يتهرّب منها.
_ شكراً لك استاذي الكريم على وقتك وتحملك واجاباتك المفيدة.
-مرحباً بك عزيزي و وفقك الله.
اضافةتعليق
التعليقات