إن جميع موجودات الكون –ماعدى الانسان- هي مخلوقات مسخرة ومنقادة لله عزوجل بشكل كامل، ولم تعط الاختيار في ذلك، بل هي مفطورة على الطلعة والاستجابة للمشيئة الربانية الخالقة لها، من دون بديل آخر وهذا لا يعني أنها غير راضية بل مع كونها لا تريد العصيان لم تعط امكانية أيضا.
وهذه المخلوقات بين عاقل ومدرك –كالملائكة –وبين جامد لا يفقه إلا وجوده ووجود خالقه جل وعلا والعلاقة بينهما كالمادة.
إن الله عزوجل لم يشأ أن يحتوي الكون على مخلوقات مطيعة من دون اختيار ومنقادة من دون سبيل إلى الخلاف فقط، فإن هذه العبودية ذات مستوى محدود وبعد معين لا تتم فيه معرفته كما يجب وعبادته كما ينبغي... إنه يريد من يطيعه لا خوفا من ناره ولا طمعا في جنته بل يعرفه فيجده أهلا للعبادة فيعبده يريد خلقا يعرفونه حق المعرفة وقد قال جل وعلا –كنت كنزا مخفيا فأردت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف..
إنها معرفة بكل صفاته يتبعها من توجه إليه، إنه حبيب يريد من يحبه لذاته لصفاته. يريد أن يعرف بحرية ويعبد باختيار، يريد كائنات تضحي من أجله وحبا به، يريد عبادا توابين يعصونه فيندمون ويستغفرون فيغفر لهم ، يريد مخلوقات تحن إليه وتبكي في الليل والنهار شوقا للقرب منه.
يريد من يؤمن به اختيارا ويؤثر رضاه على هواه، يريد من يتحمل المشاق في سبيل رفع كلمته في الوجود، يريد أنصارا له ومحبين وعشاق يريد كائنات لا تؤسرها طبائعها المادية بل تتسامى نحوه وتتخلق بأخلاقه.
يريد كائنات تتصارع في داخلها قوى الخير والشر والهدى والظلال فتختار الخير والهدى على الشر والضلال غير مضطرة لذلك يريد مخلوقات لها مشيئة من مشيئته فتسير نحو كماله المطلق يريد قلوبا مؤمنة تسعه حيث لم تسعه سماواته ولا أرضه يريد كائنات تتضرع إليه وتتوكل عليه يريد مخلوقات تتجلى فيها عظمته ويظهر فيها ابداعه.
يريد مخلوقات حية في ارادتها فتتشكل بذلك حياة مفصلة نامية تنعكس فيها صفاته يريد آفاقا ونفوسا تظهر فيها آياته يريد حبيبا يناجيه يريد محتاجا يسأله فيعطيه يريد عبدا يأمره فيمتثل أمره وينهاه فينتهي، يريد ذاكرا لا ينساه وحبيبا لا يفكر بسواه وعبدا مخلصا لا يطيع غيره ومجاهدا ينصر دينه ويريد أيضا مخلوقات يظهر فيها عدله ويظهر فيها غضبه وجبروته وعقابه فكان الإنسان ذو العقل والاختيار وكان النجدان نحو الخير ونجد الشر.
لقد سبق علم الله عز وجل بالغيب خلقه لهذا العالم وما فيه من مخلوقات فعلم بما سيكون قبل أن يكون وعرف من سيعطيه ممن سيعصيه فوجد أن غاية الخلق ستتحقق بأعلى درجاتها في إنسان واحد فاق كل البشرية وهم في عالم ما قبل الوجود والتحقق عالم علم الله المطلق فارتضاه واشتق له اسما من اسمه فهو الحميد وسماه محمد أن محمد (صلى الله عليه وآله) هو أكمل نموذج يتحقق فيه الهدف من ايجاد الخلق كلهم.
ولذا قال له جل وعلا عندما ناجاه -لولاك ما خلقت الأفلاك- انت المطلوب وأنت الحبيب إنه أعبد العابدين وأفضل المطيعين وأكثر الذاكرين ثم نظر الله عز وجل إلى الخليقة من بعد فوجده واحدا لا يختلف عنه كثيرا عن حبيبه الأول فجعله شريكه في كل شيء إلا النبوة وخلق نفسه من نفسه (صلى الله عليه وآله وسلم) واشتق له اسما من أسمائه جل وعلا فهو العلي الأعلى وهذا علي (عليه السلام) ثم نظر أخرى فرأى ثلاثة رجلين وامرأة فضمهم إليهما وجعل المرأة ابنته وسماها فاطمة والاثنين الآخرين أولاده منهما فسمى الأول الحسن والثاني الحسين ثم مزج الأنوار وداخل بينهما فكانوا الخمس الأفضل على الاطلاق أهل الكساء الذين ضمهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في الدنيا تحت كساء واحد بأمر من الله عز وجل ودخل معهم ليعلن الحقيقة الإلهية في تفضيلهم على كافة المخلوقات وأنهم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا..
ومن ثم جاء بالأفضل من البشرية من البشر من بعد أولئك الخمسة وكانوا تسعة فجعلهم أولادا للحسين (عليه السلام) واحدا بعد واحد وهكذا الأفضل فالأفضل.
هذا هو الانسان المخلوق المحبوب إلى الله عز وجل وهذه قصة وجوده هو أفضل الكائنات وقد فضله الله تعالى عليه وسخرها له كما قال تعالى -ولقد كرمنا بني ادم- وما ذاك إلا ليعبدوا الله عز وجل مختارا صادقا عارفا وكل الوجود المادي هو من أجل نجاح هذا الأمر وتحقق الهدف الإلهي بالمعرفة ومن ثم العبادة الواعية..
إن ارادة الله عز وجل اقتضت أن يعبد في الأرض وأن تطبق فيها أحكامه اختيارا من العباد وليس بالضرورة أن يكون ذلك من جميعهم اختيار ورغبة بل يكفي أن يكون من ثلة مخلصة تدفع الآخرين نحوه بشرط رضاهم بالأمر فيتوحد الوجود طاعة وعبودية لله عز وجل وهذا هو الهدف من الخلق ومن البديهي أن حركة المجموعات لا تصح ولا تنتظم ولا تثمر إلا بوجود قيادة يتسلم مقاليد الأمور فيها فتوجهها نحو الأهداف المرسومة.
وهذا يجري في الأسرة والأساس في حركة أفرادها وهو الموجه لهم نحو ما يراه صحيحا ونافعا وكذلك المجتمع إنما يخضع لتأثير الحاكم والدولة لأنها تهيمن على مرافق الحياة فيه وتتصدر مواقع القرار والتوجيه وأي اصلاح او فساد للمجتمع إنما يكون بالأساس من قبل الحاكم.
والنظام السائد في الناس على دين ملوكهم صلاحا وفسادا ولو أننا أردنا إصلاح أسرة وجدنا أفضل وأسرع طريق واصلاح رب الأسرة ومن ثم يصلح الباقون فكذلك اصلاح المجتمعات الانسانية إنما يكون من الأعلى هذا إذا أردنا إصلاحا شاملا وسريعا أما إذا لم تحن الفرصة فلا يُلغى السعي في اصلاح ما تيسر من أفراد المجتمع ولكن سوف لا يصلح المجتمع كله إلا من الباب الطبيعي للتغيير الاجتماعي وهو الدولة ومن هنا يتضح لنا ضرورة قيام دولة الحق التي تقود الانسانية نحو الله عز وجل سالكة سبيله القويم وصراطه المستقيم وهو الاسلام العظيم بعقائده وأحكامه وأنظمته الاجتماعية الكفيلة بارضاء الخالق والمخلوق ارضاء الخالق بالعبادة الواعية من قبل الانسان الفرد والانسانية جمعاء وارضاء المخلوق لما ستتحقق من سعادة في حياته الروحية والاجتماعية..
اضافةتعليق
التعليقات