تتعدد مفاهيم الرحمة من العطاء المادي والمعنوي والدعم النفسي بمختلف لغات الحب للشخص المعطي فحتماً لا تنحصر الرحمة في مبلغ مادي أو قضاء حاجة مؤمن بالعكس تماماً فهي تتفرع لتكون شمولية أكثر وأكثر في كل تفاصيل الحياة التي نعيشها بل الحياة الصعبة التي تتصف بكونها دائمة الاضطراب بالتالي نحتاج إلى احتواء نفسي لضخ المشاعر الهادرة التي تراودنا على الدوام وفي كل يوم وهذه الكمية من المشاعر تحجب عنا الرؤية الصحيحة في اتخاذ القرارات الصحيحة لذا نحن بحاجة لحالة ترويح وتفريغ نفسي مستمر أو على الأقل بين فترة وأخرى.
الكثير من الأشخاص يعانون من كبرياء عالٍ لا يسمح لهم بالبكاء أو الشكوى فهذه الفئة تعاني من كبت كمية هائلة من المشاعر دون تفريغ ونلاحظ عليهم أنهم يحملون أمراضاً كثيرة من القولون العصبي، اضطرابات القلق، الأرق الحاد، السكر، ارتفاع ضغط الدم، السرطان والكثير من أمراض القلب كما أن مناعتهم سيئة وهم عرضة للأمراض دائماً فجسم الإنسان هو انعكاس لروحه الداخلية فكلما كانت الروح سليمة سلم الجسم والعكس صحيح.
وهنا قدم أمير المؤمنين (عليه السلام) وسيلة مهمة في التكافل الروحي فقال: (من شكا الحاجة إلى مؤمن فكأنما شكا إلى الله) يؤكد في هذا الحديث أهمية الترابط الوثيق بين الإخوان وصلة الأرحام كما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (من فرَّج عن أخيه المؤمن كُربة من كرب الدنيا فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة) إن هذين الحديثين أحدهما مكمل للآخر فما أعظم أن يفرج الله عنا كرب يوم القيامة.
من المهم أيضاً أن يقوي الإنسان مناعتهُ الروحية ضمن هيكلية الحياة المعاصرة فالشدائد هي الجزء الثابت من الحياة كما أن أكثر الأسباب لانهيار المناعة الروحية هي الاتكالية في كل شيء على الآخرين فينشأ شخص بدون تجربة وبلا خبرة ستضعه الحياة يوماً ما على المحك في بؤرة الضغط، هنا تحديداً مقياس لخبرته من التجارب السابقة لأن الإنسان يتكون من جانبين (الجسد والذي يمثل الجانب المادي، والروح التي تجسد الجانب المعنوي) ومن الأشياء التي تضعف الجانب المعنوي للإنسان هي (التفاهة، الأوهام والتمني بدل العمل الدؤوب، القلق الدائم، المشاكل النفسية، السطحية والطفو عن الواقع، المفهوم العدمي التي تضخهُ مواقع التواصل، استسخاف بديهيات الترويح النفسي كالاستهزاء بالصلاة وعرضها بمقاطع ريلز مضحكة، العيش في عالم الصورة والمظهر بدلاً عن عالم الجوهر بالتالي العيش في الضياع وغيرها مما لا يمكن احصاءه).
إن لغياب البعد المعنوي وعدم الاشتغال عليه يسبب فوضى واضطراب لدى الشخص، من أهم الحلول لهذه المشاكل هو التثقيف النفسي للذات والاحاطة بالإخوان والأصدقاء الحقيقيين ليكونوا سنداً في الشدة والأهم استيعاب أن هذه المعادلة هي أخذ وعطاء لا تعمل من جانب واحد.
اضافةتعليق
التعليقات