مما لاشك فيه أن حركة الإمام الحسين (عليه السلام) حركة اصلاحية وكان لابد للامام أن يخرج بعدما عُطلت حدود الله وأحل حرامه وحرم حلاله وهذا ما قاله الإمام الحسين (عليه السلام) في بداية ثورته: "ألا وإنَّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله...".
فكان لزوماً أن يبقى صوت الثورة بمبادئها وتضحيات الشهداء الجسام حتى يحل السلام ونشر دولة العدل الإلهية على يد آخر معصوم الإمام المهدي (عجل الله مخرجه الشريف).
من هنا فإن المرأة لم تكن بمنأى عن ساحة الصراع بل كانت حاضرة فيه بقوة، وبما أن مشاركتها في عاشوراء مثلت حلقة مهمة من حلقاته، فكان لا بدَّ للمرأة أن تأخذ دورها فيها، وتؤدي تكلفها على أكمل وجه، ولعل حضورها بالذات في عاشوراء كان له ميزة خاصة، حيث أنَّ هذا الحضور كان في زمن يحارب فيه كل ما يمتُ إلى الإسلام بصلة، وفي زمان كان يدعى فيه للعودة إلى أحكام الجاهلية، وإلى أفكارها وقناعاتها ومن جملتها عودة المرأة إلى المكانة المهينة التي وضعها فيها الجاهليون.
حيث أراد الإمام الحسين (عليه السلام) أن يحرك ثورته في هذا الاتجاه وهو تنظيم الأوضاع الرسالية في حياة وإصلاح هذه الأمة ومن جملتها إحياء الدور الأساسي للمرأة المسلمة، وهذا الدور الذي وصل إلى أسمى مراتبه من خلال مشاركة المرأة للرجل في ساحة معركة الطف فأصبح هناك نموذج الرجل المجاهد، وأصبح هناك نموذج المرأة المجاهدة، حيث توقف على وجودها نجاح الثورة أو عدم نجاحها.
والمرأة شاركت في الجهاد بشكل مباشر عندما نزلت إلى ساحة المعركة وكان لها التأثير الكبير على مستوى شحذ الهمم وشحن النفوس للقتال. ومن خلال استعراض أهم نشاطات والدور الذي قامت به المرأة والرسالة التي أدتها في عاشوراء، ندرك بعضاً من حكمة الله تعالى وندرك معنى قول الإمام الحسين (عليه السلام): "شاء الله أن يراني قتيلاً وشاء الله أن يراهنَّ سبايا".
ولكي لا نغفل عن دور المرأة وتاريخها في نهضة عاشوراء، وحضورها المميز في هذه الملحمة البطولية، والدور الذي لعبته المرأة في حركة الإمام الحسين (عليه السلام) الإصلاحية في كربلاء وما بعدها، يرسم لنا صورة لواقع المرأة وقوتها في قبال التزوير وفضح شخصية يزيد وكشف القناع عن قبح أفعال بني أمية.
من هنا تأتي أهمية حضور ومشاركة من موقعها الحساس والمهم داخل الأسرة والمجتمع، فدورها داخل الأسرة لا يقتصر على تلبية حاجيات زوجها، كما يتصور الكثير من النّاس، ولا يتوقف عند مسألة تدبير شؤون منزلها، رغم أهمية هذا الدور وضرورة تأديته، بل يتجاوز ذلك إلى مشاركتها الفاعلة في تهيئة وبناء أجيال المستقبل، وتوعية الجيل بمبادئ الثورة ومدى أهميتها الرسالية في نشر الدين والحفاظ عليه من المغرضين الذين لا شغل شاغل لهم إلا ضعف دين الإسلام عن طريق هدم مبادئ ونظم أهل البيت وخلق جيل يعيش حالة الاغتراب والبعد عن العترة الطاهرة.
فلابد للمرأة أن تعمل جاهدةً في بيان أهداف النهضة الحسينية في النظرية الاسلامية وتطبيقاتها آيدلوجيا، عبر شرح الاسلام وبيان تعاليمه الحقة، عبر إبراز فهمها ومنطقها الرسالي في رفض الظلم والانتصار للحق، وتوضيح الدور التتميمي للمرأة في نهضة عاشوراء والحفاظ على انجازاتها وحضورها في كربلاء إذ لم يكن ناشئًا من الصدفة أو أمر طارئ بل ضمن التخطيط الاستراتيجي الذي اتخذه الإمام الحسين (عليه السلام)، ليبين للعالم بأن المرأة لها دور في صناعة القرار والدفاع عنه.
فإن هذه المسؤولية تتطلب شخصية قوية وناجحة والمرأة القوية لابد أن تعرف نفسها وقدراتها ومواهبها لكي تتمكن من معرفة الدور الذي ستنجح فيه وفقا لطاقاتها وإمكانياتها. فهناك الكثير من الشابات والشباب الذين هم بحاجة إلى من يساعدهم يأخذ بأيديهم ليكونوا شباب قادرين على تكوين أسرة صالحة في المستقبل وصلاح أي مؤمن يبدأ من صلاح فكره ومعرفته بأمور دينه، من هنا يكون دور المرأة مهما وأكبر من دور الرجل لأنها القاعدة الرصينة التي ينطلق منها الجيل الجديد.
ولدينا من النساء كما يذكر التاريخ من كان لهن الدور الاجتماعي والإصلاحي الكبير، ليس في حدود المحيط الأسري مع أهميته ولكن هناك من يتمتعن بقدرات كبيرة وطاقات اصلاحية كامنة، فيما لو توفرت الإرادة والإصرار على توظيفها وفهم مكمن قوتها، فإنها يمكن أن تساعد المجتمع على التقدم فالأدوار المهمة في معركة الطف هي التي جعلت للمرأة في كربلاء هذه الإشراقة المستمرة، فكان جهادها لا يقل أثراً عن جهاد الرجل في تلك الواقعة الأليمة، فكانت الصدى الإعلامي الذي بين أهداف الثورة واستمراريتها.
اضافةتعليق
التعليقات