قضية الغدير وقضية عاشوراء قضيتان عظيمتان ومقدستان في السماء قبل الأرض بل في الكون كله، ولهما الأثر الكبير على صحة وسلامة دين وإسلام وعقيدة الفرد، ولا يمكن أن نقدم أحدهما على الأخرى، ولا الفصل بينهما لأنهما قضيتان مكملتان لبعض تهدفان نحو هدف وأمر واحد وهو تحقيق وإثبات مكانة ووجود الخليفة الشرعي المنصوب عليه من قبل الله تعالى على الأرض وهذا ما سنبينه في هذا التعليق.
* خلافة وإمامة ووصاية وولاية أمير المؤمنين صلوات الله عليه قضية محورية وأساسية منذ أن خلق الله الكون وقبل أن يخلقه أيضًا، فرضه الله تعالى وجعله على جميع البشر وعلى جميع ما خلقه الله من مخلوقات سواء كانت في السماء أم في الأرض كخليفة شرعي وإمام ووصي وولي مفروض الطاعة والبيعة له، وبدون طاعته ومبايعته لا يقبل عمل أي عامل، سوى كان نبيًا أو وصيًا أو رسولًا طبعا باستثناء النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، فالجميع مأمور بطاعة الإمام أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) (الخليفة الشرعي) وبدون ذلك تصبح الأعمال هباءً منثورا ، حتى ولو نطح بها الإنسان إلى السماء السابعة لا تقبل منه إلا بولاية وطاعة هذا الخليفة الشرعي الذي جعله الله منصوصًا ومنصوبًا منه وبإمره.
ولتحقيق هذا الأمر الإلهي على الأرض جاءت بيعة الغدير وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الناس أجمعين في حجة الوداع بطاعة وبيعة أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) كخليفة شرعي عليهم وبنص من الله تعالى في القرن الكريم {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينا} 3المائدة.
أي بمعنى لا يكتمل دين الإنسان إلّا بولاية وطاعة هذا الخليفة الشرعي المنصوص والمنصوب عليه من قبل الله تعالى.
لكن جاءت فئة مغضوب عليها من البشر بعد شهادة الرسول (صلى الله عليه وآله) تمثلت في (أصحاب السقيفة) واختلفت في بيعة وطاعة خليفة الله أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه)، وارتدت وانقلبت عليه وعلى بيعته في الغدير ورفضت خلافته ووصايته عليهم وعاملته معاملة سياسية أرضية وكأنه صلوات الله وسلامه عليه جاء يطالبهم بخلافة وحكم أرضي ، وهذا هو المطب الخطير الذي سقطت فيه تلك الأمة، تناست أنها أمام إمام وولي وخليفة شرعي مفروض الطاعة والبيعة سواء أرادت أم لم تريد، فهي ملزمة بطاعته والاعتراف به وبولايته التي جعلها الله تعالى مفروضة على جميع البشر بعد ولايته سبحانه وولاية رسوله المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله) ، ولا يقبل بأحدها دون الأخر، أي لابد من الاعتراف بثلاث الولايات معا، أي بولاية الله وولاية النبي ووولاية أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.}59 النساء، أي لابد ان يكون هناك مع التوحيد والنبوة تكون الإمامة أي الشهادة الثالثة أي الاعتراف بخليفة الله الشرعي وإمامته على الأرض وهذا الذي حاص وباص فيه الكثير واختلفوا إلى يومنا هذا.
وبعد هذا الرفض والتآمر والانقلاب على صاحب بيعة الغدير توالات الويلات على بيت النبوة والرسالة فبعد قتلهم للنبي قتلوا ابنته فاطمة الزهراء، ومن ثم هضموا واغتصبوا حق أمير المؤمنين وقتلوه بعد النبي، ثم قتلوا الإمامين الحسن والحسين وهكذا توالات الويلات بعد الويلات على جميع أئمة الهدى المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم وعترة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لأنهم هم الخلفاء والحجج الإلهيين على الأرض وهم الامتداد الشرعي الذي يمثل الخلافة الشرعية من بعد أبيهم أمير المؤمنين في الغدير، فلهذا حاربتهم طغاة الأمم وغصبت حقوقهم طوال التاريخ خوفًا من ان ينتهوا وتنتهي عروشهم الظالمة باستمرار ذلك الخط الإلهي.
كان من أحد أسباب ودوافع خروج سيد الشهداء (صلوات الله وسلامه عليه) على الطاغية يزيد في كربلاء هو الدفاع عن هذا الحق الإلهي الذي غُصب وسلب منهم، ولأجل إصلاح دين جده رسول الله الذي عبثت فيه الأمة طويلًا من بعده نتيجة ابتعادها عنه وعن ولاية وطاعة وبيعة الخليفة الشرعي الإمام المعصوم.
ولو قبلت الأمة منذ البداية بخلافة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في الغدير لما حصلت قضية عاشوراء ولما قتل الحسين (صلوات الله وسلامه عليه).
لكن سيستمر الحال هذا إلى أن يظهر الإمام الموعود ويسترجع ذلك الحق المغصوب إذن بهذه المقارنة البسيطة أثبتنا علاقة قضية الغدير بقضية عاشوراء وبجميع قضايا أهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) ، وأنه لا يمكن الفصل بينهم ولو بمقدار أنملة لأنهم جميعًا هدفهم وأمرهم واحد، كما قال النبي (صلى الله عليه وآله) (أولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد) وفي مكان آخر (حسين مني وأنا من حسين .. والحسن مني وأنا من الحسن) وهكذا..
أما اهتمام المسلمين وبالخصوص الشيعة منهم بقضية عاشوراء أكثر من اهتمامهم بقضية الغدير، مع عظمة وتقدم مقام سيد الأوصياء أمير المؤمنين الاصطفائي على مقام ابنه الحسين (صلوات الله وسلامه عليهما)، لا يعني هذا تصغير أحدهما دون الأخرى أو أهمية أحدهما دون الأخرى، إنما لكل منهما فضل ومقام عند الله تعالى وهما قضيتان مكملتان لأمر واحد وهدف واحد كما ذكرنا ذلك أعلاه. إنما جاء ذلك الإهتمام بعاشوراء أكثر من الغدير وذلك راجع لأسباب عقائدية وتاريخية ومنها سياسية طويلة البحث لا يمكننا إيجازها هنا مع ضيق الوقت.
وهذا أيضًا لا يبرر تقصيرنا نحو نصرة قضية الغدير وعاشوراء إنما نحن مطالبون بالمزيد نحوهما.
وواجبنا الشرعي أيضًا يحتم علينا بالاهتمام أكثر بالقضيتين معا، ولو كان الإهتمام بموضوع الغدير بمستوى ما هو كائن عليه في قضية عاشوراء، لأصبح حال المسلمين أفضل بكثير مما هم عليه اليوم، ولأكلوا ما فوقهم وما تحت أرجلهم كما صرحت بذلك السيدة الطاهرة المطهرة الزهراء (صلوات الله وسلامه عليها) بعد شهادة أبيها المصطفى في خطبتها الفدكية للمهاجرين والأنصار.
{وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} 26 المطففين
اضافةتعليق
التعليقات