في دعاء زمن الغيبة(١) الذي يعد من أهم الأدعية التي تبني حول قلب كل منتظر سورًا عاليًا وقويًا يحميه من فتن آخر الزمان، تلك الفتن الفكرية منها والعملية، نقرأ هذه العبارة: [وَأَمْرَكَ يَنْتَظِرُ ً…] فهي عبارة يُعرف بها كل مُنتَظِر نفسه بالإنتظار.
وهنا لم تأتِ العبارة بهذا الترتيب [ينتظر أمرك] بل قَدمت الأمر على الانتظار، فالأصل هو الإمام (عجل الله فرجه) الذي هو أمر إلهي ثابت متحقق، ثم يأتي من الانسانية الانتظار، فمن عرف أمر الله تعالى وانتظره لحق به وتشرف بالانتساب إليه عندئذ، وبذلك ايضًا إشارة الى أن ليس الجميع ينال ذلك.
ثم يأتي ليمد يده بطلبات عدة هي [فَصَبِّرْنِي عَلى ذلِكَ؛ حَتّى لا أُحِبَّ تَعْجِيلَ ما أَخَّرْتَ وَلا تَأْخِيرَ ما عَجَّلْتَ، وَلا كَشْفَ ما سَتَرْتَ وَلا البَحْثَ عَمّا كَتَمْتَ وَلا أُنازِعَكَ فِي تَدْبِيرِكَ، وَلا أَقُولَ: لِمَ وَكَيْفَ وَما بالُ وَلِيِّ الأمْرِ لا يَظْهَرُ وَقَدْ امْتَلأتِ الأرْضُ مِنَ الجَوْرِ، وَأُفَوِّضُ أُمُورِي كُلَّها إِلَيْكَ].
فالانتظار نستطيع أن نعبر عنه بأنه المفصل في حياة كل مهدوي، وهذه الطلبات هي تفاصيل انتظاره، علامات انتظاره، آثار انتظاره، والتي هي جواب لسؤال: ثم ماذا...؟ بعد أن أقررنا إننا من أهل الانتظار:
انتظار بصبر جميل
أولى آثار أو علامات المنتظر هي قولنا: [فَصَبِّرْنِي عَلَى ذَلِكَ]، فكل انتظار ظاهره متعب، مؤلم، وموجع… وقد يصيب صاحبه بالجزع وقلة الصبر، إلا انتظار الإمام (عجل الله فرجه) تعبه راحة، وألمه سعادة، وجراحه بلسم، والصبر عليه قوة، لأنه انتظار لشيء ليس لمجهول النتيجة، بل ترقب لشيء متحقق قطعًا، لذا المنتظر الصابر تراه مبتهجا بانتظاره لا كئيبًا.
انتظار بتأني واطمئنان
ثم نقول: [حَتَّى لا أُحِبَّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ وَلا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ]، فالإنسان طبيعته عجول، ومن صفاته إنه هلوع، فهو يخاف أن لا يصل لما ينتظر، لذا يحب أن يصل له بأسرع وقت- كيف ونحن في زمن من أخطر سماته السرعة؟!- فالإيمان بمقادير الله تعالى ومواعيده يوصلنا لذلك، وانتظار إمامنا (عجل الله فرجه) هو المفتاح الذي يربينا على التحلي بالتأني وعدم الاستعجال.
بالنتيجة نكون من أهل الاطمئنان لا الهلع، فلا نعيش العجلة في السعي كي نرى ظهوره سريعًا، ولا نعيش الخوف من ألا نرى طلعته قريبًا، فمن يعيش بهذا المستوى مع أعظم قضية وأهم أمر ينتظره سيكون من السهل عليه أن يتعامل مع بقية الأمور الحياتية التي ينتظرها ويسعى للوصول إليها بهذا المستوى.
انتظار بتسليم
ثم نقول: [وَلا كَشْفَ مَا سَتَرْتَ، وَلا الْبَحْثَ عَمَّا كَتَمْتَ، ولا أُنَازِعَكَ فِي تَدْبِيرِكَ]، الانتظار هذه الكلمة التي قلبها تاء تسليم كل قلب مؤمن منتظر، فإن كان اسلام المؤمن لا يتحقق إلا بالتسليم للمعبود، هكذا هو الاعتقاد بالحجة المنتظر (عجل الله فرجه) يتحقق بالتسليم له في غيبته قبل ظهوره، وبسلامة القلب من كل تشكيك بتدبير الله تعالى في أمره هذا.
انتظار بسعي
وبقولنا: [وَلا أَقُولَ لِمَ وَ كَيْفَ وَمَا بَالُ وَلِيِّ الْأَمْرِ لا يَظْهَرُ وَقَدِ امْتَلَأَتِ الْأَرْضُ مِنَ الْجَوْر]ِ، نصل إلى حقيقة الانتظار التي هي عمل لا قول، سلوك لا شكوك، سعي حقيقي لا لهو وتَسلي، فالذي ينشغل بما ينتظر من خلال القيام بمقدمات الاستعداد له، لن يكون لديه وقت للتدخل بما لا يعنيه، ولن يتساءل إلا ما يجعله يتقدم نحو إمامه (عجل الله فرجه) يومًا بعد آخر حتى يأذن تعالى لوليه بالظهور.
انتظار بختم وختام
وفي هذه الفقرة [وَأُفَوِّضُ أُمُورِي كُلَّهَا إِلَيْكَ]، التي هي خير ختام لعلامات المنتظرين في هذا الدعاء، فالتفويض -كما يعبرون- هو إرجاع العبد لأموره إلى ما يريد مولاه لا لما هو يريد، لذا في قوله تعالى جاء ختام آية التفويض بقوله: (إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)، وذلك اعترافًا من العبد بجهله في قبال علم الله تعالى بما يصلحه، وفناءً بعجزه لتدبير شؤونه في قبال قدرة الله تعالى على ذلك.
وهي ختم لآثار الانتظار الظاهرة على العبد المنتظر، أي كالطبع على القلب ألا يميل ولا يتوجه في كل أموره الا وقد جعلها بيد مولاه وربه، وهذا من شأنه أن يتجلى في علاقته مع من هو باب الله الذي منه يؤتى صاحب أمره وزمانه (عجل الله فرجه) في غيبته وظهوره مفوضًا إليه أموره.
فالمنتظر بين أمر الله تعالى وولي أمره يعيش الصبر والاطمئنان والتسليم والسعي والتفويض في كل أمور حياته، والا فليراجع انتظاره؟
اضافةتعليق
التعليقات