هل فكّرتَ يوما أن تكون مصلحاً؟ إذاً ليس أمامك سوى حمل البندقية على كتفك، وقتل كل ما يصادفك، ولكن إيّاك أن تكون شبيه الروائي الروسي دوستوفيسكي، حين بلغ به اليأس مبلغه، وضاق ذرعا بمن حوله، ولم يعد بوسعه تحمّل أخطاء الآخرين فطلب البندقية، فقيل له: وماذا ستفعل بها؟! إنّ الإنتحار خطيئة، فأجاب: _ أي انتحار أيها الأبله، سوف أقتل الجميع!!
الإصلاح رسالة الأنبياء، والتغيير هو هدف جميع رسالات السماء، ومخطىء من يظن أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي أمر بالإصلاح.
فالإنسان منذ بدء الخليقة تتنازع فيه قوّتان، وستبقى هاتان القوّتان في صراع دائم حتى يلفظ المرء أنفاسه الأخيرة.
يقول تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ).
فالخير والشر يتصارعان في ساحة ٱبن آدم، وليس هناك من استثناء في الصراع الدائر.
والإنسان خليط من هذين العنصرين، تارة يميل إلى الخير، وتارة أخرى تتجاذبه قوى الشر ؛ ويبقى الإنسان بين هذين التياريْن حتى يأذن الله لروحه بالخلاص من دنيا الإبتلاء والإختبار والتمحيص.
والأنبياء جميعهم كانوا مبشّرين ومنذرين، لقد حملوا شرائع الله إلى الناس، وحاولوا جهد إمكانهم تهذيب الشرور في النفس الإنسانية، وتقويمها باتجاه الخير من خلال القيم والمبادىء التي جسدّوها بأنفسهم.
فكانوا هم أول من حمل البندقية لقتل الشرور بٱبن آدم، من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
وأنّ من أعظم الفلاح في الدنيا هو التوفيق للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول تعالى في كتابه العزيز: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) .
وعن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: (لَا تَزَالُ أُمَّتِيْ بِخَيْرٍ مَا أَمَرُوْا بِالمَعْرُوْفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَتَعَاوَنُوا عَلَىٰ البِرِّ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلُوْا ذٰلِكَ نُزِعَتْ مِنْهُمُ البَرَكَاتِ وسُلِّطَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَاصِرٌ فِيْ الأَرْضِ وَلَا فِيْ السَّمَاءِ).
وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّه قال: (لَا تَتْرُكُوا الأَمْرَ بِالمَعْرُوْفِ وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ فَيُوَلَّىٰ عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ ثُمَّ تَدْعُوْنَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ).
فإذا أردت أن تكون مصلحا حقيقيا، ما عليك إلّا أن تقتديَ بالأنبياء وتتسلح بسلاحهم، واضعا على كتفك بندقية نبي، تقاتل شرور النفس الأمّارة بالسوء أولا، ومن ثم تنطلق لتقتل الشرور المعشعشة في نفوس مَن حولك.
ولا ننسى أنّ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر يعملان سوية على تحرر الأفراد من الانغماس في الخطايا والموبقات، ليس هذا فحسب، بل المجتمع الإسلامي برمّته يحرّره من عبودية الأهواء المضلّة، وينطلق به نحو فضاءات العبودية الحقة لربّ السماء.
عن أمير المؤمنين علي عليه السلام: من أمر بالمعروف شدّ ظهور المؤمنين..
وبالتالي فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أعظم سلاح لجهاد النفس، يعمل على تقوية وتثبيت البنى التحتية للفرد والمجتمع، ويساعد في عملية صيانة وحماية الجبهة الداخلية للأمة..
وذلك هو هدف الإصلاح الذي نادت به كل رسالات السماء، فهل ستكون مؤهلا لحمل إرث الأنبياء يا تُرى؟.
اضافةتعليق
التعليقات