واقترب يوم العزاء، وتهيأت الصدور لإستيعاب المأساة، وأعيان المحبين تعد لمجلس الظليمة،
خبزها المشهور بالهتاف والدموع شموع الغربة، وملف القضية، فيه بحر من سؤال وأفواه الجواب تتوعد، لتكشف الحقيقة والمنابر سفير الكلمة، موعدها عند ابتداء هلال الشهر بالظهور..
(لبيك ياحسين) فرقان ، أدق من صراط الجنة ، يهب أعناق من خدمات لتراب الطف وأهله.
الدمعة ، بحر لا ينفذ ، والجزع ، موت مؤقت ، يرى فيه الباكي وكأن لوح من السماء يرقع ضمير الحزن ليكسي شحوب الوجه ويرممه بركات هذا الظهور ..
يبدأ الشعار بالنداء وسواد الستر على سطوح الفداء تردد ملذات هذا الشعور، الفكرة عاجزة الوصف ، فاقدة التعبير الشجي والكلمة سطر محبوس لا تفي حق الوجود .
تبدأ حقول النساء بالعويل ، ويجهش الطفل كالزفير ، والفتى كبش فداءه ينتظر وعلى أكتافه زنجيل النحور، ليلبي وفي عمقه صوت مكلوم ، متى تبدا الطبول ثورتها ، وكيف يكتب الحبر شعره وهل تبكي المخادع نسيج السبايا عندما قد منها عفافها واكتئبت شمس الجروح …
نعم إنه الحزن ،، يسود كل بيت ، والقلم يتحمل مسؤولية كل الفتور .
تابعت الاقدام وتوغلت مهرجان الظليمة ، لتلطم وجها وتشق ثوبا و تجعل من طين المأساة علما يفتخر به وشاهدا للنصرة يوم الفرج ، عهدا من حناجر تيقنت أن للدم ثأر وقور ..
في بادية الحزن والوجع ، هناك امرأة تكلم القدر ، تبحث عن طفل قد قطع السيف منه حنجره، هي تبكي والام تحكي ، وفي يدها أمنية ، لتلثم فمه رمق من حياة ..
وعلى ضفة نهر العذاب ، فجر التقى بعيون الورع ، وقامة الحديد ، ويد العطش منه قد رفضت الماء ، سبحان الذي ألبس أولياءه لباس هيبته ، وغصون المشرعة روافد من كفوف مقطعة تبحث جسد ، وبجانبه علم ورمح و كفن مسجى قرب شافية الماء والقربة رياض من عهد..
على بعد أميال التلول ، سيدة تبنب واعية الطريق، في رجلها وخز السعد يذرف دمعا من دماء،
والعطش شمس تجردت من روية ، وقد اباحت للعقيدة نهرا وشهد ..اقترب ، الوعد وكان حجيج الطف قد عد واستعد لسقاية شاهديه ، وزيارة عارفيه ، وطواف ماكثيه قبب أضفت نورا لزائريه .
في سمية النفس المتألمة ، أحاطت قبور الرفض للظلم وشعار يالثارات الحسين ، جموع المعزين، لتلهم من رواق عزمهم أمنيات محققة، ورفعة متعففة، وعافية مبدأ من كل ضيق وفكرة معوقة ..
ولكن ثمة صوت ودندنة معوية، لم تغادر قبر الضحى ، والليل اذا سجى ، تذف أنهار حزنها وتطرق باب الضمير لنصرتها ، إنها أم الملاذ والضلع وما رأى، زهراء البكاء والسر الغائبة ،
تجلس أطناب البقاء، لتروي جسد ضلعها بعض عتاب ، وأزيز قلبها زلزال لايهدأ من البكاء ..
حقا إنه الوجع ، كيف تجمع هذه الأم ، أضلاع ابنها وفتات خلاياه الدافئة ، وكيف لها أن ترى قلبه المجزأ إلى أعمدة نور خالدة ..والخنصر منصور برافده، والعلم باب ينتهي إليه ..يعز عليك يا أم الحسين ، أن تجمعي ماتشتت ، وتحتضني ماقد تبدد ، وتقبلي ما تمرد ، لأن السيف لم يبقي لولدك باقية ، ولم تحفظ قساوتهم خلد الحبيب.. فتجرأت وصبت نار حقدها على ذلك الجسد ، كي لا ترى من عنقه إلا تلك الوصية، وموعد التلقين الذي أشرق الكون ضياء وجوده، ولشيعته حب مستفيض لاينقطع أبدا .
حقا كما قال عابس اليقين، حب الحسين أجنني.. عشق بمعنى مفردات التضحية ، إنه يرى ما لانرى ، إنه مرفوع الغمامة والردى .. فكان قاب قوسين وأدنى في المعرفة والبصيرة ..في وقت الفاجعة وما أحلت ، وجوه ضاحكة مستبشرة ووجوه عاليها قترة ، في كل سنة ، نبكيها ونذكر عسرها ومآسيها ، وعجز صدورنا ثورة تتجدد، حب اندمج مع موق العيون ، وكبوة تريد المزيد من عفاف تلك الواقعة ..
نعم إنها واقعة ليس لوقعتها كاذبة.. مهرجان متعدد الخدمة وموائد العزة، تفيض مواردها نعمة هم فيها منعمون ، والتهمة ، لاتجد لها معنى بين أقبية الخدمات ، إلا من توارت نفسه وتأخرت ..
لأن الاستثناء يعج صورا ومنافذ وكل بيت يعد الستائر ، وحرائر العاصفة تبدأ يومها بصوت الناعي وهو على تل الغصة والضمائر ..ألا من معين يعيننا ، ألا من ذاب يذب عن حرم رسول الله .. لبيك يا أبا عبدالله .. لبيك ياحسين.
اضافةتعليق
التعليقات