"قال : كيف يكون عيد الغدير أعظم الأعياد ؟
*قلت : إذا كان الأضحى يكمل الحج والفطر يكمل الصوم فالغدير أكمل الإسلام كله."
السيّد هادي المدرسي* .
تختلف الامتحانات الدراسية من سنة لأخرى باختلاف الأسئلة الموضوعة وتقسيم الدرجات والاستعداد المعنوي والدراسي لها، ولعلّ الطالب الذي يُعيد ذات السنة الدراسية مراراً هو خير من يعرف هذه الحقيقة، فبالرغم من تشابه المادة المدروسة بل رغم اعتياده على الكادر التدريسي والأجواء الامتحانية، إلا أن الأمر لا ينفك يشهد اختلافاً كلما انفرد هذا الطالب أمام قلمه وورقة الاختبار.
يمكن تطبيق هذا المثال على نطاق أوسع، حيث تتشابه السنوات التي نعيشها سنةً تلو أخرى من حيث ديمومة الظروف المحيطة، بكل جوانبها البيئية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، ومن ناحية أخرى تتكرر الاختبارات الإلهية على مدار الأزمان مهما سكنت أو تغّيرت الأحوال الملمة بهذا المجتمع أو ذاك. الوهم الذي نقع فيه في كل عام هو الثقة المطلقة بقدرتنا على اجتياز الاختبار بحكم المعرفة الآنفة بآليته ومحتواه، دون الأخذ بالحسبان أن أسئلة هذا العام قد تكون ذات اختلاف جذري عن الأعوام السابقة مما يؤدي إلى الدخول في دوامات من الضياع والحيرة بمجرد تغيير صيغة السؤال أو ترتيبه حتى حين تكون إجابته معروفة بالفعل لدى الممتحن.
يُعَد الغدير من أكثر الاختبارات شدةً على أمة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، فهو اختبارٌ لا ينتهي عند سنةٍ أو حدٍ معيّن، بل يمتد على مدار الأزمان وبتغيّر الأجيال والأمم. فلا توجد مدعاة للاغترار بمعرفة أن الثامن عشر من ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة هي ذكرى البيعة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، رغم ضرورة هذه المعرفة إلا أنها ليست كافية، إذا لا تنتهي أهمية هذا اليوم بمعرفة تاريخه، فهو ليس طقساً أو تُراثاً انتهى تأثيره بانتهاء زمنه، ولا يمكن تحويل هذا اليوم الإلهي إلى فلكلور مذهبيّ عديم التأثير، طقوس فرح نتوهم إحراز التشيّع بمجرد إقامتها بل السؤال الأهم هنا، ماذا يعني هذا اليوم؟ وما هو امتداد الغدير!
إن اقتصار عيد الله الأكبر بمظاهر فرح وابتهاج تنقضي بانتهاء اليوم، أو تهنئات متبادلة بين الموالين، يؤدي إلى إنتاج معرفة سطحية بهذا اليوم العظيم، هذا الاختزال هو الذي أنتج المسلم الظاهري، ذاك الذي يبحث عن النجاة المتاحة بمجرد الموالاة المجازية للإمام عليّ (عليه السلام)، وهو نفسه الذي صنع فكرة الاكتفاء التام بالمعرفة الوقتية الكامنة التي لا توّلد أي معارف أخرى ذات امتداد نفعي لها.
عندما خلق الله (عز وجل) آدم وجعله خليفةً في الأرض كان ذلك الأمر غريباً ومستنكراً عند الشيطان الذي لم يكن يمانع أَبداً من عبادة الله دهر الدهور ولكن بشرط أَلا يسجد لآدم على وجه الخصوص! كان هذا الأَمر في غاية الصعوبة على نفسه المتعالية.
وكذا الحال في قضية الغدير، حيث لم يواجه البعض أي مشكلة في عبادة الله والصلاة والصيام وأداء مناسك الدين، ولكن مكمن التعقيد كان في قبول ولاية عليّ (عليه السَّلام) وهذا ما تحكيه الروايات عن سبب نزول آيات: *(سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِع).* المعارج / آية ٢.
البيعة لعليّ (عليه السلام) تعني استكمال البيعة للعلماء والمراجع والثبات على طريقهم، أنْ ترفض كُلّ رعاة الاستكبار في العالم، أن تكون مع جانب الحق وتعرف أهله وتؤيدهم. أن تحبّ لأخيك ما تحبّ لنفسك. أنْ تنصر أخاك المظلوم أينما حلّ وارتحل، أن تكون راعٍ ومسؤولٌ عن رعيّتك. أن تشهد الغدير اليوم، يعني أن تُراجع نفسك كثيراً، وترى إنْ كنت قد سرت على نهجه (عليه السلام) أم تخلفت عنه. "إنَّ ولاية عليّ هي سرُّ الله وسرُّ التوحيد ولكلٍ رزقهُ منها".
اضافةتعليق
التعليقات