تتبدد الاحلام حينما تهاجمك اشباح الظروف، وتنقطع الآمال عند انسداد الطرقات، إن رُمتَ الحلم يجب أن تُقاتل وأحيانا تُقتل، موتك قبل الخطوة الأولى انتصارا على حياتك..
يفوح عطرها في باحة المنزل البسيط، تصنعُ قصرها من الطين خلف ذلك المسمى منزلا وتُسيّر فيه ماءً وتصنع منه جسرا، إقتربت منها: متى ينتهي قصرك ياحبيبتي؟
فأجابت: خالي انظر سأشارف على الانتهاء.
هو حلمها الذي تمسكت به (أن تصنع البيوت الكبيرة)..
اكمَلت الأبتدائية وحاولت أن تذهب الى المتوسطة إلا إن قريتهم وقرى "عرب هذال" لاتحتوي على متوسطة، صبّتْ انهار الدموع ولم تجدِ، فمسافة ثمانين كم عن كربلاء ليست بقليلة، قاتلتْ، اعترضتْ، ثارتْ.
ثم رفعت الراية البيضاء الممزوجة بطين يديها من بناء دور الأحلام، مرت أيامها وهي تبني الدور الصغيرة بزخارف وتصاميم دقيقة، أعلنت قتلها الأبدي لحلمها ذاك، واختارت أن تكون عروساً فنانة في قرى الزگاريط، حَمِلتْ بجنينها الذي بَنَتْ عليه أحلامها، تذهب كل يوم لتحدثَ من سكن أحشائها عن أحلامها وتريه انجازاتها، امضت التسعة اشهر من الحمل وهي تنسج أحلامها على ذلك الجنين.
ونَسِيتْ أنه أوهن النسيج، حضرتها الولادة في الليل، كنتُ هناك حينها، أقبلت الولّادة..... تدهوت حالتها... نقلناها الى اقرب مركز صحي يبعد عنا 40كم سرتُ بأقصى سرعتي ومعي زوجها لأصل هناك دخلنا فلم نجد أحد صرخ زوجها: لينقذ أحد زوجتي.
أجاب الحارس: حاولوا نقلها الى مستشفى الولادة في كربلاء لايوجد هنا طبيب.
جن جنوني وانا اراها تصارع الموت أمامي والطريق الى كربلاء 40كم أخر!!، بكلماتها المتعبة خرجت لتقول: خالي حطم كل تلك البيوت دعها تفنى معي. لم تسعفني دموعي، حطمتُ أرقام عداد السرعة، سكن أنينها مع طلوع الفجر، وصلنا للمستشفى ولي أمل أن تخرج لتُعَمّر بيوتها الطينية، لكنها غادرت خلف حلمها الميت وأخذت جنينها معها حتى لايَقْتُلَ حلمه ويُقْتَل
فكم من حلمٍ في بلدي بعد مخاضه ولد مِيْتَة؟، وكم من قرية عانت من نقص في المدارس؟، وكم من مهندس وطبيب ومعلم وعالم كاد أن يكون، ولكن منعه الافتقار الى المدارس؟، وكم من فتاة قتلت حلمها الدراسي لان قريتهم تخلو من مدرسة؟، وكم من مريض كان علاجه سهلاً لكنه مات لعدم وجود مشفى قريب؟، وكم من شعاع طفلٍ اخفته المسافات؟.
الى متى يبقى البلد يعاني من الافتقار؟ الى متى تبقى الروح العراقية أرخص مايكون؟، من هي الجهات المعنية؟ وأين هي الاموال؟، ستبقى هذه التساؤلات تطرح نفسها الى ابد الآبدين، وستبقى الإجابات مهدومة، كتلك البيوت الطينية التي تركتها تلك الفتاة من منطقة الزكاريط.
اضافةتعليق
التعليقات
عراق الهم و الغم2018-11-02