في زمن أصبح كثير من أهل الدين يَرون أنفسهم صاغرين أمام أهل الدنيا، فبدت مظاهر تدينهم تُنتزع منهم شيئا فشيئا لأن الغالب والحاكم هو مظاهر الدنيا! فصار من الصعب التفريق بين أهل الدنيا والدين تارة، وتارة أخرى من لايزال ثابتا ويَرى دينه فوق كل شيء من السهل تمييزه عن الآخرين.
وهنا يحدثنا الإمام الباقر(عليه السلام) بحديث نحتاجه الآن كثيرًا؛ ليُرينا كم على خص بهذا الدين أن يكون فخورًا وسعيدا؟ وكم عليه مسؤولية تجاه ما هو عليه من عقيدة التوحيد، وذلك بقوله: «إن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض، ولا يعطي دينه إلا من يحب... »(١).
فلو تأملنا قليلاً وتفكرنا كثيرًا – وبصدق - في ماذا يعني أن يكون الله تعالى هو من أعطانا، وهو من اختارنا لنكون من أهل دينه، ثم لماذا؟ لأنه يحبنا؛ فأي كرامة وميزة ومقام هذا الذي يناله الإنسان المؤمن المحبوب عند ربه؟!
ثم بعد ذلك عندما ننظر للواقع، لابد أن نتساءل كيف لمن أعطي هذه العطية والتي خُص بها دون غيره أن يتنازل عنها بهذه السهولة، من أجل عطية هي بمتناول يده، فكونه من أهل الدين لا يعني حرمانه من الدنيا، أبدًا!! فهو يُعطى إياها وأُعطي المزيد (الدين) كما أشار الحديث.
إذن ألا يستحق الأمر منا أن نُراجع أنفسنا وننظر من غذى عقولنا بفكرة أن الدين والدنيا لا يجتمعان؟ أو كي تحصل على شيء من متاع الدنيا عليك أن تتخلى عن دينك، عن علاقتك بربك، عن الدعاء، عن العبادات، بل حتى عن الأخلاقيات والحدود التي رسمها تعالى لك، كي تحيا إنسانًا مكرمًا عزيزًا، وليس تابعًا لشهواتك وهواك؟!
فهل جربت أن تستقيم على دينه، ولم تنل ما تريد من الدنيا، بل هل الدنيا هي غاية تطلب أم هي وسيلة ومعبر؟ إذ تعالى بقوله: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}(الجاثية:١٨). يخبرنا -كما يبدو- إن مواطن السكينة وقوة القلب والسير بثبات هو أن يُري الله تعالى الانسان الحق، ليسير بهدى وعلم بماهية الحياة الدنيا.
فمن يتخبط في مسيره بلا دين هو يعيش، ولكن القلق في داخله يميته، والخوف ينهش كل لحظة جميلة في وجوده لأنه ممن لم يَجعل له تعالى بصيرة يرى بها طريقه وهو غير عالم بوجهته الحقيقية، فصارت الدنيا كل غاياته.
أما من يجعل الله تعالى له الدين، فيكون ممن يعلم ما هي بدايته، وما هي خاتمته وسار عليه، هو بلا شك لابد أن لا يستوي مع هذا الصنف، وعليه أن يعلم بأنه غير متروك، فكل من لم يهتدي، ولم يصل لرؤية الحق سيحاول سلبه ما هو عليه من شياطين الجن والإنس.
بالنتيجة ما أن يُدرك صاحب الدين هذه النعمة، وهذه المحبة الإلهية الخاصة، سيكون حريصا كل الحرص على السعي للحفاظ عليها، ويقي نفسه من أي شيء قد يسلب منه بصيرته هذه، عندئذ لن تكون نظرته لكل شيء نظرة مادية دنيوية، ولن يُسلب هذه العطية الإلهية.
--------
اضافةتعليق
التعليقات