عندما تتأذى أيدينا وتُجرح بقطعة زجاج لا نكثر الضجيج لأننا نتوقع الجرح من زجاج مكسور ولكن عندما تحدث الحالة مع ورقة بسيطة نصاب بالانزعاج لأننا لم نتوقع حدوث ذلك.
فالورقة الخفيفة كيف بإمكانها أن تجرح أيدينا وتسبب خروج الدم؟!
العقل يستصعب الموقف ولا يمكننا تصديق ذلك إلا بعد أن يحدث لنا الموقف ونتألم، كذلك في حياتنا اليومية في الكثير من الأحيان لا نتوقع حدوث بعض الأشياء، ربما نتحمل آلاف الكلمات الجارحة من الغريب ولكن يؤذينا حرف واحد من القريب لأننا باختصار لم نتوقع الجرح من القريب.
وهكذا في كل الأمور يرتفع سقف التوقعات كلما شعرنا بأن الفرد يمتلك قدرات في أي مجال،
فالمعلم يتوقع من الطالب المجد والذكي أن يحصل على درجة كاملة في الإمتحان وأن حصل غير ذلك يشعر بالغرابة لما حصل،
كذلك المسؤول يتوقع من الموظف المتميز أن يقوم بدوره بأتم وجه وإن حصل غير ذلك يسأل عن السبب ويتعجب من الموقف.
هكذا الحال في جميع علاقاتنا، هناك أشياء بديهية جميعنا نؤمن بها كأن الزجاج يجرح، ولكن الورقة تؤلمنا و تجرحنا فهي بعيدة أشد البعد عن تصوراتنا وتوقعاتنا وهكذا الحال في حياتنا اليومية فإننا لا نتوقع السرقة من شخص أمين يدعو الناس إلى الصدق بالعمل، إننا لا نتوقع الفساد من رجل الدين، لا نتوقع التلوث في البيئة من عامل النظافة لا نتوقع الضرب والصراخ من مستشار نفسي والذي بلغ درجات عالية في علم النفس.
هناك أمور نتوقعها من بعض الناس اعتباراً لكلامهم ومكانتهم ووعيهم فالفاسق إذا فسق هو أمر محتمل لما يحمل من فسق في داخله فلابد أن يخرج ويتحول ما يحمل في داخله إلى فعل خارجي، كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام: (مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلاَّ ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ، وَصَفَحَاتِ وَجْهِهِ).
ولكن من غير المتوقع اتيان العابد الزاهد بالفسق لأنه بين شيئا وقام بفعل مغاير، يقول الإمام الصادق عليه السلام: يا مفضل: القبيح من كل أحد قبيح، ومنك أقبح لمكانتك منا، والحسن من كل أحد حسن، ومنك أحسن لمكانك منا.
لذلك يجب أن ننظر بأننا أين ولمن نُنسب؟
تقول الآية الكريمة: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ).
هل أعمالنا وأفعالنا تتطابق مع ما نظهر ونحن عليه أم إننا أخذنا دور الضحية ولكن نحن من نقتل!
هل إننا نحمل المسؤولية جيداً ونكون اسما على مسمى أم في الظاهر ندعي الاسلام والتشيع وفي الباطن نعمل عمل الكفار والمنافقين؟
التوقع هل هو سيء أم حسن؟
القضية ليست سيئة فالتوقع المذموم هو أن يجلس الفرد ويتوقع من الآخرين أن يهتموا به إن احتاج إلى مساعدة، أو أن يكونوا كالخدم يخدموه في كل حين، أو يقدموا له العون كل لحظة، أو أن يجلس الفرد متذمراً لماذا فعل فلان كذا والآخر كذا بل إنها قضية واقعية وايجابية بعض الشيء حيث يشعر كل فرد بما لديه ويدرك قدراته ولا يضع نفسه في المكان الخطأ.
ويعرف لمن يقدم وكيف يقدم وبما يقدم، هل يجب أن يحترم الآخرين من بعيد ويداريهم كما قال ديننا الحنيف ونبينا الكريم صلى الله عليه وآله حسب مكانة الأشخاص أم يقدم ما لديه لأجلهم كما نقرأ في الزيارات بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي وولدي، بالتأكيد عندما يتعلق الأمر بالله سبحانه وتعالى والنبي صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام يجب أن يكون الاهتمام على نطاق أوسع.
لدينا روايات مفادها بأن إمامنا صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه ينظر إلينا ويطلع على أعمالنا كل يوم، فأي عمل يصدر منا وأي تصرف نقوم به فهو مكشوف أمام الإمام عجل الله فرجه الشريف، فياترى هل نحن كما ندعي؟
أم إننا تلك الورقة التي يجب أن تكون بيضاء ومملوءة بالعلوم لننقلها إلى الأجيال القادمة ولكن تجرح الآخرين عند التصفح وتصيبهم بالأذى؟
هل إننا سبب الوصل أم ابتعاد الناس عن الواقع بسبب زيفنا وحججنا الواهية!
التوقع السلبي يبعدنا عن الله ويجعلنا متمردين ومتكبرين ولكن التوقع الإيجابي يجعلنا أمام سؤال واحد:
هل ما نقدمه حسن؟ ويكون سببا لتطورنا ولنجاحنا على جميع الأصعدة الدينية، الاجتماعية، النفسية و...
لنضع هذا السؤال أمام أعيننا دائما هل ما أفعله يقربني لله؟
إن كان الألم من العدو يؤلم مرة فالألم من الصديق يؤلم أضعافا مضاعفة لشدة قربه ومعرفته بدواخلنا، لندقق في تصرفاتنا، هل نحن العدو أم الصديق وكيف تؤثر أعمالنا على قلب إمام زماننا؟!
اضافةتعليق
التعليقات