امتازت مجموعة أنصار الحسين (عليه السلام) بأنها تكوّنت من خليط استثنائي ولم يظهر الجوهر الحقيقي والقيمة الفعلية لهؤلاء الأبطال إلا في يوم العاشر من المحرم. فقد ضمّت هذه المجموعة الكبير والصغير، السيد والعبد، الغني والفقير، العالم والكاسب، والعربي والأعجمي، كما أن حالهم من حيث الإنتماء الفكري والعقائدي وقربهم وبعدهم من أحكام الشريعة الإسلامية ليس واحداً، بل إن ظاهر علاقتهم بالله مختلفة أيضاً فمنهم من هو صلب الإيمان ونافذ البصيرة، ومنهم منكان جنديا في ركاب الظالمين، ومنهم من يعتقد أنه عثماني الهوى بل ادعت بعض المصادر أن وهب بن هب وهو أحد الشهداء بين يدي الحسين كان نصرانياً حتى الأيام الأخيرة من حياته وأسلم على يد الحسين في الطريق إلى كربلاء.
وهكذا باقي الأنصار فقد كانوا مختلفين على مستوى السمات الشخصية، ولكنهم يوم عاشوراء رأيناهم متّحدين في الصفات والسمات فقد ظهر المعدن الأصيل وظهرت الحقيقة الواحدة التي ينتمون إليها فلا عجب أن يضع الحسين خدّه الشريف على خدّ جون مولى أبي ذر ويؤبّنه ويدعو له تماماً كما يفعل مع ابنه علي الأكبر شبيه رسول الله (ص) وحفيده وكما يفعل مع القاسم وحبيب بن مظاهر فقد انعدمت الفوارق وظهرت الحقائق. إذاً هو ذوبان للخصوصيات الفردية فكلّهم على مستوىً واحد من الصبر والبصيرة والفناء في الحسين (عليه السلام) والشوق للشهادة بين يديه.
حتى ذكر الطبري في تأريخه نقلاً عن محمد بن قيس بن الأشعث وهو من القادة البارزين في جيش عمر بن سعد في واقعة عاشوراء أنه قال: " أن أصحاب الحسين لما رأوا أنهم قد أكثروا، وأنهم لا يقدرون على أن يمنعوا حسيناً ولا أنفسهم تنافسوا في أن يقتلوا بين يديه".
ونحن عندما نقف على أحوالهم ومواقفهم في ذلك اليوم العصيب قد نتصور مبررات كثيرة لكي يقف العباس بن علي وإخوته من أم البنين عبد الله وعثمان وجعفر هذه المواقف المشرفة وفق قياس الأخوة والدم وهكذا لباقي إخوة الحسين الذين استشهدوا معه في كربلاء وهكذا نجد المبررات لمواقف علي الأكبر والقاسم وأخوته وكذلك بني عقيل وأبناء عبد الله بن جعفر.
ولكن ماهي مبررات الموقف الذي اتخذه زهير بن القين الذي تمنى القتل دون الحسين (عليه السلام) ولو تكرر ألف مرة! ماهي مبررات جون مولى أبي ذر لكي يستقبل السيوف بشوق ولهفة! ماهي مبررات الحر الذي خرج يطلب الدنيا فإذا هو أحرص الناس على الموت والشهادة بين يدي الحسين (عليه السلام).
لذلك لا ينبغي أن ندرس حادثة عاشوراء دراسة تاريخية سردية بل دراسة تدبر وتحليل على أن الملاحظ من كلمات الحسين من إخوته وأهل بيته أن نصرتهم للحسين لم تكن بداعي الأخوة أو الحمية النسبية وإنما كانت بداعي الدفاع عن دين الإسلام وإيماناً بالحق والعدل الذي يمثله الحسين (عليه السلام) والشواهد من كلمات العباس بن علي، وعلي بن الحسين الأكبر، والقاسم بن الحسن (عليهم السلام جميعاً) وغيرهم كثيرة ومشهورة وتدل بوضوح على أن الحمية العائلية ليس لها أيّة أهمية في قاموس هؤلاء العظماء.
إذاً عظمة عاشوراء هي من عظمة أبطالها ورقي مبادئها ومستوى الصمود الذي أبدوه وهم يواجهون ذلك الجيش الجرار الذي ضم في صفوفه ارذال الناس وأكثر الناس خسّة وبطشاً.
إن حادثة عاشوراء تكون مبتورة بدون فصل بإسم العباس بن علي، وفصل بإسم جون مولى أبي ذر، وحبيب وزهير بن القين، وغيرهم.. هؤلاء هم أصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين (عليه السلام).
اضافةتعليق
التعليقات