انا اُعاني، من جميع الألسنة التي تلف حول عنقي حبل الموت... وحتى الأيادي الفارغة، التي تضرب وجنة روحي بصفعات اللؤم تاركة خلفها اثاراً زرقاء على تلابيب روحي المختنقة. أنوثتي تستجدي الرحمة من كلمة الإنسانية حرفاً حرفا... ولكن، هذه المرة وككل مرة بلا جدوى!.
وقفتُ امام المرآة باكية... اُلملم شتات روحي من زوايا جسدي شظية شظية، علّني لا اجرح بقايا عزة النفس التي باتت شبه عدم، ولكن... ما الحيلة، لا مفر لي من هذا القدر المكتوب على عاتق حاضري ومستقبلي، سأرضى بحكم أخي وابي وكل رجال العالم، لأني وبكامل الأسف "إمرأة"، فحكم القوي على الضعيف غالب.
ما إن نطقت جملتي تلك حتى ردّني صداي: تستحقين الصفعة، ماعاد زوجك يحترمك، أجل؟!، أولادكِ يتعاملون معك بطريقة غير لائقة؟!. أخوك يقذفك بكلمات مسيئة تجرح شغاف القلب؟!، ولكن هل فكرتي يوماً بأن انتِ من سمحتي لهم بذلك.. الستِ من قال عنك أمير الشعراء "الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراقِ"، إذاً أنتِ المسؤولة عن تربية الجيل الحاضر والمستقبل وحتى الماضي، لو ربيت طفلك (الولد) على إحترام طفلتك (البنت)، لكان نموذجا رائعا يكنّ كامل الاحترام والتقدير، لكِ... ولابنتكِ... ولنساء العالم أجمع.
إذاً يا من تمثّلين نصف المجتمع، أنت المسؤولة عن تصرفات رجال اليوم ورجال الغد، لأنهم يتربون بأحضانك أنتِ، تصرفاتهم اليوم هي ثمار لما زرعتيها في نفوسهم من بذور، عندما كانوا صغارا.
صوت المرآة أو بالإحرى الصدى الذي خرج من اعماق انوثتي... ماكان الاَ صفعة قوية ضرب وجنة كياني، أيقظني من سكرة البؤس، حقيقة إستحقيتها هذه الصفعة بجدارة، إستيقظت على أثرها من سبات الظلم، والرضى بهذا الواقع الذي اخترته انا بمحض إرادتي.... رفعت رأسي عالياً، تنفست الوجود، وصرخت بأعلى ترددات صوتي، "كفى" !!.
هذا كل ماقالته السيدة (ح، م) عندما ثارت على الواقع، وفرضت وجودها بين الناس بعدما كانت عبارة عن بقايا إنسان تعيش على حافة هاوية، يحتل الرجل موقع إعطاء الأوامر عليها في الحياة... وهي تحتل موقع التنفيذ.
آخر احصائية عالمية بينت ان اعلى نسبة للعنف ضد المرأة تبلغ 76 % من النساء في الولايات المتحدة الأمريكية ، و27 % تبلغ نسبة النساء المعنفات في الوطن العربي ، و17% من نساء العراق هنّ ضحايا العنف الممارس ضدهنّ .
ان العنف يستهدف المرأة في جميع مراحل حياتها، من قبل الولادة بإلاجهاض لكونها بنت وحتى الوفاة وليس مرتبطاَ بعمر او فترة معينة، والادهى من ذلك انه عنف غير مجرم ومدعوم بقوة الاعراف والقانون ومسكوت عليه اجتماعياَ في كثير من الدول العربية وحتى الغربية منها.
على الرغم من إن جميع الإعلانات الدولية والمعاهدات، والإتفاقات الدولية تنص على القوانين التالية:
- للمرأة الحق في الحياة.
- للمرأة الحق في المساواة.
- للمرأة الحق في الحرية والأمن الشخصي.
- للمرأة الحق في التمتع المتكافيء بحماية القانون.
- للمرأة الحق في عدم التعرض لأي شكل من اشكال التمييز.
- للمرأة الحق في اعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية.
- للمرأة الحق في شروط عمل منصفة.
- للمرأة الحق في ان تكون بمأمن من التعذيب بالمعاملة او العقوبة القاسية او اللاانسانية او المهينة.
ولكنها تبقى مقيدة بسلاسل العرف، وبعض التقاليد البالية التي تفرض الفكر الذكوري بين المجتمع، كما انّ على الدول ان تدين العنف ضد المرأة والاَ تتذرع بأي عرف او تقليد او اعتبارات للتنصل من التزامها بالقضاء عليه، ويجب عليها ان تتبع كل الوسائل الممكنة ودون تأخير، سياسة تستهدف القضاء على العنف هذا ما نصت عليه (نص عليه المادة الرابعة من إعلان القضاء على العنف ضد المرأة).
كما إن الإعلان العام لمناهضة العنف ضد المرأة في المادة (4) منه 1، يقر في إلزام الدول بادانتها للعنف ضد المرأة وألا تتذرع بأية تقاليد أواعراف اواعتبارات دينية للتنصل من إلتزاماتها بالقضاء عليه، كما عبّرت لجنة سيداو وإتجاه العنف المرتكب ضد المرأة في العراق المتمثل بصورة جرائم الشرف، وأوضحت التمييز المكرس ضد المرأة من ناحية التفاوت في الحماية القانونية لمثل هذه الجرائم .
وهذا ماأشارت اليه المادة الرابعة من اعلان القضاء على العنف ضد المرأة ومفادها: "ينبغي للدول أن تدين العنف ضد المرأة والا تتذرع بأي عرف او تقليد او اعتبارات دينية للتنصل من التزامها بالقضاء عليه".
اي بمعنى آخر ان تكون الدولة جادة في القضاء على العنف ضد المرأة بدون اعذار ومبررات ، وكما يلي :
1- ان يبادر العراق الى سحب تحفظاته عن بنود اتفاقية سيداو والمصادقة على البروتوكول الملحق بها لضمان حق الشكوى الى لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة، مع الأعتراف بأختصاص اللجنة الوارد في البند الثامن والتاسع من البروتوكول.
2- التصدي لجميع اشكال العنف ضد المرأة والتحقيق فيها والمعاقبة عليها وفقاَ للقوانين الوطنية.
3- تعديل القوانين الوطنية التي تجسد العنف الممارس ضد المرأة اينما وقع والأفضل من كل هذا وذاك تشريع قانون خاص بنبذ العنف بجميع اشكاله مع تحديثه المستمر حسب التغييرات الطارئة في المجتمع وظروفه مع اعطاء الحق بالتعويض لمن تعرض للعنف.
4- وضع خطط عمل استراتيجية لحماية المرأة من جميع اشكال العنف والأستعانة بمنظمات المجتمع المدني لتنفيذ هذه الخطط .
5- تأسيس ملاذات آمنة للنساء المعنفات في عموم العراق مع اتخاذ جميع التدابير اللآزمة لتعزيز سلامة المعنفات واعادة تأهيلهنً مع اطفالهنً ان وجدوا في المجالين البدني والنفسي .
6- ان تدرج في ميزانية الحكومة موارد كافية لأنشطتها المتصلة بالقضاء على العنف ضد المرأة .
7- اتخاذ التدابير اللازمة بتدريب الموظفين والمسؤولين عن تنفيذ سياسات درء العنف ضد المرأة يجعلهم واعين لأحتياجات المرأة .
8- معالجة انماط السلوك الأجتماعية والثقافية للمرأة والرجل وخصوصاَ في ميدان التعليم لأزالة الممارسات المستندة الى دونية اي من الجنسين.
9- التشجيع على الأبحاث التي تتناول اسباب العنف وطبيعته وخطورته وتبعاته مع تصنيف الرصد الأحصائي لهذه الظاهرة لبيان مدى فعالية التدابير التي تنفذ لدرئه مع نشر الأحصاءات ونتائج الأبحاث.
10- وضع برامج استراتيجية لمعالجة الموروثات الأجتماعية التي تجسد العنف ضد المرأة.
11- تسهيل ومساندة عمل الحركات النسوية ومنظمات الجتمع المدني وتتعاون معها على المستويات المحلية والوطنية والأقليمية.
12- ادراج موضوع القضاء على العنف ضد المرأة ليكون ضمن برامج المنظمات الأقليمية / الحكومية الدولية التي هي عضو فيها.
هذه هي مسؤوليات الحكومة للقضاء على العنف ضد المرأة، لأن هذه الظاهرة اصبحت قضية مجتمع بأكملة ولايمكن علاجها الا بدعم ومؤازرة الحكومة للمرأة، إضافة الى مناشدات المرأة لحقوقها الطبيعية، وعدم السكوت عند تعرضها لأي أذى او تعدي على الحقوق، وبعكسه فحديثنا يكون هواء في شبك.
ومانراه بأن الدين الإسلامي أنصف المرأة بصورة كاملة، إذ إن المرأة حرة كريمة مصونة، لها ما للرجل وعليها ما على الرجل بلا تمييز ولا إحتقار ولا إضطهاد ولا تفضيل لأحد على الاخر إلا بالتقوى والعمل الصالح. فلقد أكرم الإسلام المرأة أيما إكرام، حيث ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) : "أكثر الخير في النساء" (وسائل الشيعة: ج20 ص24 ب3 ح24932)، و "إن العبد كلما ازداد ايمانه ازداد حبه للنساء"(وسائل الشيعة: ج20 ص21_22 ب 3 ح24932).
والسؤال الذي يطرح نفسه هل المرأة بريئة من هذا العنف؟ حتماَ كل شخص في مجتمعنا بحكم الظروف التي تربى عليها وحفرت في نفسيته وممارساته مااعتاد عليه من ممارسات بحكم التربية الذكورية، فيه شيء من العنف سواء كانت امراة او رجل، لذا يجب ان نبدأ بأنفسنا في نبذ العنف وتطهير كل ممارساتنا من الأعراف والعادات التي نحتت في بناءنا بسبب التربية والتوجيه الخاطيء، ونعامل ابناءنا وفلذات اكبادنا واخواننا واخواتنا بالرحمة واتباع اسلوب المناقشة والحوار ونصحح ماتربينا عليه لأنهم خلقوا لزمان غير زماننا.
اضافةتعليق
التعليقات