من أطلال الماضي مازالت توجد بقايا خيام محترقة ودموع يتامى على جدران الذاكرة وصرخات وعويل وقلوب تأن من العطش وأصوات ضرب السياط ثم الأسر.. قاسية تلك الذكريات، توجع ثنايا الروح فمنظر سبايا الطف نسج حكاية خالدة للمكان والزمان لا تفنيه السنوات..
(بشرى حياة) تسلط الضوء في هذا الاستطلاع على المخيم الحسيني وما يحمله من دور مؤلم في عاشوراء..
ينقل الشاب مرتضى خضير تجربته قائلا: شاركت لعامي الأول في نصب خيام آل بيت النبي من أجل تهيئتها ليوم ظهيرة العاشر حينما دعاني صديقي المقرب لمساعدته، في ذلك اليوم بذلت جهدي في اتمام نصب الخيام والسرادق المحيط كرمز تشبيهي للواقعة غير مكترث للموضوع برمته ولكن.... (قالها حتى دمعت عيناه) حينما شهدت المشهد التمثيلي للواقعة (التشابيه) ارتعدت جوارحي بين عويل الأطفال وصرخاتهم ودموع النساء وهن يلذن بالفرار خوفا من أن تلحق بهن ألسنة اللهب كأني حضرت هناك لأطلال العاشر من محرم لو كانت أختي بينهن أو ابنتي أو زوجتي أو أمي ماذا عساي أن أفعل، ذلك المشهد أشعل نار ثورة الحسين (عليه السلام) في قلبي، والخيام المحترقات تلك إنما هن رمز من رموز ثورة عاشوراء.
ختم حديثه: الشعور الذي اعتراني جعلني أقدّس تلك الطقوس والتي قررت أن تكون عادة سنوية لا أتخلى عنها طالما حييت.
أبو نذير في عقده الخمسين شاركنا قائلا: إن للمخيم الحسيني تاريخ موغل له أثر كبير ومفجع كما تناقلت الروايات عنه وأيدها المؤرخون حينما سقط الحسين ابن علي (عليهما السلام) شهيدا هرع قوم الظالمين لنيل رضا الطاغية ابن زياد فهبوا لحرق الخيام التي أبت أن تخرج منها حرائر رسول الله (ص) حتى لا ينتهك سترهن إلا أن ألسنة لهب النار التي أضرمها العدو حالت دون بقائهن في المخيم فلذن في الفرار لترسم لنا ظهيرة العاشر لوحة مروعة يند لها الجبين.
(السلام على الحسين وعلى أهل بيته عليهم السلام) بهذه الجملة استهلت أم رضا حديثها ثم تابعت قائلة: أنا من المثابرات على حضور مراسيم حرق الخيام، كما لدي مشاركات عديدة في خياطة الخيام وتسليمها لأصحاب الموكب الذي يقوم بتشييدها، وأيضا أشارك في موكب عودة السبايا في يوم الأربعين كما أعمل في موكبنا الخاص لخدمة الزائرين، وأتمنى أن أقدم أكثر من هذا من أجل القضية الحسينية.
صرحُ حسيني
يعد المخيم الحسيني الموقع الذي نزل فيه الإمام الحسين (عليه السلام) عند وصوله إلى مدينة كربلاء المقدسة في الثاني من شهر محرم الحرام عام (61هـ) ونصب عنده خيام عائلته، كما أنه المعسكر الذي احتمت به الأسرة حتى آخر غارة لآل أمية فتم حرقه ومن ثم سبي الأطفال والنساء.
وهو من معالم كربلاء الأثرية والأماكن المقدسة التي يتبرك بها الزوار حيث يقع في الجنوب الغربي من الحائر الحسيني، وقد سميت المنطقة التي يقع فيها على اسمه بمحلة (المخيم) حيث كانت تعرف بمحلة السادة (آل عيسى) حتى أواخر عام 1276هـ، وقد تغير هذا الاسم إلى محلة المخيم بعد هذا التاريخ، بحسب الوثائق والمستندات التاريخية القديمة عن سادات كربلاء.
ويضم المخيم (10) مخيمات يتقدمها من البوابة الرئيسية خيمة أبي الفضل العباس حامل لواء الإمام الحسين ثم تليها محامل بهيئة أقواس تمثل الهوادج وعددها (16)، وبعدها بناية الخيمة الكبيرة التي تتوسطها خيمة الإمام الحسين وخيمة ولده علي الأكبر ومن ثم المحراب وخيمة السيدة زينب وبعدها خيمة الإمام زين العابدين، إلى جانبها بناية منفصلة تضم خيمة القاسم بن الإمام الحسن (عليهم السلام جميعاً) وآخر الخيام هي خيم أصحاب الإمام الحسين وأنصاره (عليهم السلام) ومحلها هو الأواوين لسور المخيم الحسيني الشريف.
ويذكر المؤرخون، بعد ذلك توالت وجرت على المخيم الحسيني المشرف إصلاحات عديدة، وتمت عملية إعمار شاملة للمخيم بعد سقوط النظام البائد عام( 1424هـ ) من قبل الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة ليصبح ما عليه اليوم رمز شاخص يستقطب الزائرين من خارج وداخل البلاد للتبرك بقدسية المكان وجماله العمراني.
وليصبح صرحاً نُسج بحكايا السبايا لفاجعة الطف، ففي ذلك المكان سجلت لوعة مصاب لا تليها لوعة، فما زال تاريخ الواقعة ينبض بالحياة ليومنا هذا وكأنه بالأمس القريب.
اضافةتعليق
التعليقات
کل عوالم2024-01-31