في فيديو قصير نشر على فيسبوك تظهر امرأة واقفة على شرفتها، مديرة ظهرها للكاميرا، تنظر نحو الخارج، تلف رأسها بالكوفية الفلسطينية، وتقرع على طنجرة بشكل مستمر دون توقف.
يوم 20 أبريل/نيسان، نشر أكثر من فيديو على صفحات التواصل الاجتماعي يظهر نساء أخريات على شرفاتهن وقت الغروب، كلهن يقرعن على الأواني الفارغة.
في كثير من الدول الأوروبية أصبح الخروج حاليا إلى الشرفات ومد الأيادي من النوافذ في يوم محدد من الأسبوع للتصفيق والقرع على الأواني أمرا مألوفا، فالهدف تحية العاملين والعاملات في مجال الصحة في معركتهم ضد فيروس كورونا المستجد.
لكن قرع النساء الفلسطينيات على الأواني له سبب مختلف، ومعركتهن حاليا مختلفة.
"سنقرع طنجرة ونرفع لافتة من شرفات وشبابيك منازلنا لأجل كل من تعيش تعنيفا وترويعا" - العنف المنزلي هو السبب الذي نظمت من أجله حركة "طالعات" هذا النشاط على الإنترنت، والذي يختلف عن الشكل المعتاد للتظاهر في الشارع.
استخدم للحملة هاشتاغ: "#ضجة_بدل_الصمت"، وطلب من النساء إرسال صور وفيديوهات لهن باستخدام هذا الهاشتاغ.
والقرع على الأواني الفارغة تقليد يعود أصله إلى أمريكا اللاتينية، وهو شكل من أشكال الاحتجاج تزايد ظهوره في التظاهرات في دول أوروبية.
"تعتيم" على جرائم قتل النساء
من حيفا، وعبر واتساب، تقول شذى شيخ يوسف، وهي إحدى ناشطات حراك طالعات: "بصراحة لم نتوقع هذا التجاوب؛ فقرع الأواني أسلوب غير مفهوم جدا عندنا.. مرة واحدة فقط اعتمده عمال فلسطينيون.. أما هذه فهي المرة الأولى التي يستخدم فيها هذا الأسلوب في سياق نسوي".
وتوضح شذى، ذات الـ 28 عاما والتي تعمل من منزلها حاليا بسبب إجراءات العزل الاجتماعي، أن نساء كثيرات صورن أنفسهن في الموعد المحدد للحراك (السابعة مساء) وأرسلن الصور والفيديوهات لنشرها. "لا نرى وجوها كثيرة خوفا من العواقب. الأهم هو التحرك والقرع وإحداث ضجة.. أو رفع لافتة وتصويرها إن كان القرع على الأواني قد يجذب الاهتمام للمرأة".
بعد مقتل الشابة يارا أيوب في الجليل في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2018 تجمعت شابات فلسطينيات وناقشن ضرورة وجود حراك ضد قتل النساء بحيث يكون "وطنيا، مستقلا، غير متحزب، وغير منتم لأي من الجمعيات، ويربط النضال السياسي بالنسوي ويعيد تعريف مفهوم التحرر الوطني"، فأطلقن حراك "طالعات"، كما تروي شذى.
وفقا لتقارير إعلامية محلية فلسطينية قتلت عدة نساء منذ مطلع هذا العام. لكننا لا نعرف كثيرا من التفاصيل المتعلقة بمقتل هؤلاء النساء.
تعلّق شذى على هذا قائلة: "هناك دائما تعتيم على تفاصيل جرائم قتل النساء وعلى تفاصيل سير القضية لأن هذا الموضوع ينظر له على أنه يتعلق بشرف العائلة فيعتم على الموضوع للمحافظة على العائلات. غالبا ما يتم اللجوء إلى حلول عشائرية وعائلية ومن الصعب معرفة تطور أية قضية".
في شهر آب/أغسطس من عام 2019 قتلت الشابة الفلسطينية إسراء غريب على أيدي رجال من عائلتها وأحدثت الجريمة ضجة كبيرة في البلاد العربية بسبب انتشار القصة على وسائل التواصل الاجتماعي، وبسبب تناقل الناس آخر صور وفيديوهات إسراء، ومحادثاتها الصوتية حتى بعد إسعافها للمشفى.
وبعدها بأربعة أشهر، قالت وزيرة شؤون المرأة الفلسطينية آمال حمد، لبي بي سي: "تابعنا أول جلسة علنية وكان الهدف من ذلك إشعار كل المؤسسات بجدية معاقبة من ارتكب الجناية، وأن المحكمة سوف تخرج بمحاكمة المذنب في قتل إسراء غريب".
لكن الوزيرة أضافت أن التحقيق وجه تهمة القتل غير العمد والتي يعاقب عليها القانون بفترة سجن محدودة فقط.
كان النضال النسوي مؤجلا
مع تزايد حالات العنف المنزلي بسبب حجر الناس في بيوتهم للحد من تفشي فيروس كوفيد-19، تزايدت حالات العنف المنزلي في كثير من دول العالم. ولم يبق للنساء إلا اللجوء إلى أرقام هواتف للتبليغ عن العنف ضدهن إن تمكنّ من ذلك.
ولا يعول حراك طالعات على إصدار قوانين جديدة لحماية النساء، ليس فقط بسبب عدم وجود مجلس تشريعي لإقرار القوانين في الأراضي الفلسطينية، بل لأنهن ببساطة "غير معولات على المنظومات الحالية" سواء أكانت الفلسطينية أو الإسرائيلية.
وتوضح شذى: "نحن لسنا حراكا مطلبيا. لا نؤمن بهذه المنظومات وبفكرة تغيير القوانين لأنها في الواقع تشارك أو هي سبب رئيسي للعنف ضد النساء. ومثال على ذلك تواطؤ السلطات الفلسطينية في قصة إسراء غريب. دورنا إرجاع القضية للمجتمع لتطوير آليات محاسبة وحماية للنساء".
وتضيف: "كان النضال النسوي مؤجلا لكن قضايا كثيرة مثل مواضيع الأسيرات واللاجئات والآن تأثر الفئات المهمشة أكثر بفيروس كورونا يظهر أهمية ربط النضال السياسي بالنضال النسوي". حسب بي بي سي
اضافةتعليق
التعليقات