لم يملك جسداً قويا فحسب بل كان يملك ارادة أقوى فالجميع كان يرعهبهم قدرة ارادته أكثر من قوة جسده .
المعسكر كان يفقد التركيز بمجرد رؤيته وكانوا يشعرون بالخيبة إن أخرج السيف من غِمده.
كان النصر حليفه إن فكر بالحرب وكان كالجبل الشامخ صلباً إن أراد الحفاظ على حريمه وأهل بيته.
مواقفه الخالدة تحكي بطولاته تارة وترفع الستار عن قلبه الرؤوف تارة أخرى.
فهو الرجل الذي لايهاب الموت حين القتال والمحب الذي يفدي بروحه لأجل محبوبه.
من مواقفه البطولية:
واقعة صفّين
في حرب صفّين خرج من جيش أمير المؤمنين (عليه السلام) شاب على وجهه نقاب، تعلوه الهيبة، وتظهر عليه الشجاعة، يقدّر عمره بالسبع عشر سنة، يطلب المبارزة، فهابه الناس، وندب معاوية إليه أبا الشعثاء، فقال: إنّ أهل الشام يعدونني بألف فارس، ولكن أرسل إليه أحد أولادي، وكانوا سبعة، وكُلّما خرج أحد منهم قتله حتّى أتى عليهم، فساء ذلك أبا الشعثاء وأغضبه، ولمّا برز إليه ألحقه بهم، فهابه الجمع ولم يجرأ أحد على مبارزته، وتعجّب أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) من هذه البسالة التي لاتعدو الهاشميين، ولم يعرفوه لمكان نقابه، ولما رجع إلى مقرّه دعا أبوه أمير المؤمنين (عليه السلام) وأزال النقاب عنه، فإذا هو "قمر بني هاشم" العبّاس (عليه السلام)*1.
في واقعة الطف
في كربلاء قبل مجزرة الطف دعى الشمر ابا الفضل العباس واخوته ليخرجوا من جيش سيد الشهداء كي لا يصيبهم الأذى ولكنهم لم يقبلوا ذلك واختاروا مرارة الموت مقابل حلاوة الحياة الفانية فكان نصيبهم الانتصار الابدي.
قول سيد الشهداء لأخيه العباس عشية التاسع من محرم الحرام عندما زحف القوم على مخيمه وهذا يدل على علو مكانة العباس عليه السلام عند أخيه المعصوم الذي لا يتكلم هباءً.
قال له: اركب بنفسي أنت يا أخي حتّى تلقاهم وتسألهم عمّا جاءهم، فاستقبلهم العبّاس في عشرين فارساً، فيهم حبيب وزهير، وسألهم عن ذلك؟ فقالوا: إنّ الأمير يأمر إمّا النزول على حكمه أو المنازلة، فأخبر الحسين، فأرجعه ليرجئهم إلى غد*2.
لما منع الحسين (عليه السلام) وأصحابه من الماء وذلك قبل أن يجمع على الحرب اشتد بالحسين وأصحابه العطش، فدعا أخاه العباس فبعثه في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ليلا، فجاؤوا حتى دنوا من الماء، واستقدم أمامهم باللواء نافع فمنعهم عمرو بن الحجاج الزبيدي، فامتنعوا منه بالسيوف وملأوا قربهم وأتوا بها والعباس بن علي ونافع يذبان عنهم ويحملان على القوم حتى خلصوا بالقرب إلى الحسين عليه السلام*3.
كان البطل الشجاع وأيقونة العزم حيث اعطى الامام الحسين (عليه السلام) له في يوم العاشر من محرم الحرام *4.
لما نشبت الحرب بين الفريقين تقدم عمر بن خالد ومولاه سعد، ومجمع بن عبد الله، وجنادة بن الحرث فشدوا مقدمين بأسيافهم على الناس، فلما وغلوا فيهم عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم، وقطعوهم من أصحابهم، فندب الحسين (عليه السلام) لهم أخاه العباس فحمل على القوم وحده، فضرب فيهم بسيفه حتى فرقهم عن أصحابه وخلص إليهم فسلموا عليه فأتى بهم، ولكنهم كانوا جرحى فأبوا عليه أن يستنقذهم سالمين، فعاودوا القتال وهو يدفع عنهم حتى قتلوا في مكان واحد*5.
في القتال يوم عاشوراء العباس (عليه السلام) قال لأخوته الثلاثة من أبيه وأمه، عبد الله وجعفر وعثمان:
«يا بني أمي تقدموا للقتال، بنفسي أنتم، فحاموا عن سيدكم حتى تستشهدوا دونه، وقد نصحتم لله ولرسوله*6.
ولما برز العباس (عليه السلام) اخذ يقول:
انا الذي أعرف عند الزمجرة... بابن علي المسمى حيدرة
دخل المشرعة ولم يذق الماء وفي ذلك شجاعة اكبر من شجاعته أمام العدو فوقف صارماً امام نفسه وفدى بنفسه في سبيل الحق.
فأصبح ما أصبح فصار القمر اذا تلاها.
منزلة العباس عليه السلام
قال سيد الساجدين في حق عمه العباس: فأبدله الله بجناحين، يطير بهما مع الملائكة في الجنّة وان للعبّاس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة *7.
وقال عالم اهل البيت الصادق عليه السلام: كان عمّي العبّاس بن علي (عليه السلام) نافذ البصيرة، صُلب الاِيمان، جاهد مع أخيه الحسين، وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً*8.
وورد في زيارته عليه السلام: سلام الله، وسلام ملائكته المقرّبين، وأنبيائه المرسلين، وعباده الصالحين، وجميع الشهداء والصدّيقين والزاكيات الطيّبات فيما تغتدي وتروح عليك يا ابن أمير المؤمنين..
وأشهد لك بالتسليم، والتصديق، والوفاء، والنصيحه لخلف النبيّ المرسل، والسبط المنتجب، والدليل العالم، والوصي المبلّغ والمظلوم المهتضم..*9.
يقول الامام المهدي عجل الله فرجه:
السلام على أبي الفضل العبّاس ابن أمير المؤمنين، المواسي أخاه بنفسه، الآخذ لغده من أمسه، الفادي له، الواقي، الساعي إليه بمائه، المقطوعة يداه، لعن الله قاتليه يزيد بن الرقاد، وحكيم بن الطفيل الطائي*10.
لقد أطاع العباس عليه السلام ربه وجاهد لأجل إعلاء كلمة الحق فأعطاه الله كل شيء وأصبح عباساً وبابٌ للحوائج.
الحديث عن قمر العشيرة لا ينتهي لأنه جامع الفضائل والكرامات
أصبح نبراساً كي يبين إن انسانا واحداً باستطاعته أن يعادل جيشاً بأكمله، لذلك قال سيدالشهداء بعد استشهاده الآن انكسر ظهري..
فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد وسلام على عطاياه في كل لحظة ومؤاخاته ووفائه بولاء وسلام عليه عندما يشفع لنا في القيامة برحمته..
اضافةتعليق
التعليقات