غارقة في ثنايا نفسها، وفي تلك المصيبة التي نزلت على رأسها من دون سابق إنذار... تنحدر الدموع على وجنتها المحمرّة، بينما تودع زوايا بيتها الصغير حاملة في يدها اليمنى حقيبة متوسطة الحجم تحوي على القليل من الملابس وبعض الحاجيات الصغيرة، ترمق زوجها بنظرة يتمٍ اليمة، وهي تستجدي حبه في اخر لحظة تودع بها البيت.
السيدة (م.ع) البالغة من العمر 27سنة بعدما كانت تعيش مع زوجها في حالة وئام ومحبة، تطلقت منه إجباراً على رغم أنف زوجها، لأن أخاها طلق حماتها بسبب كثرة المشاكل الحاصلة بينهم، وهذا يعود الى زواج إمرأة مقابل إمرأة أو بالأحرى (زواج الكصة بالكصة).
وهو نوع من الزواج الذي يتم على أساس العادات والتقاليد السلبية المنتشرة في مجتمعنا (القبلي) ونحن في القرن الحادي والعشرين حيث تتبادل العائلتان النساء، وهذا النوع من الزواج معمول به إلى الآن في المدن وليس فقط القرى والأرياف، وخاصة المدن ذات الطابع العشائري، ويحدث هذا الزواج عندما يرغب الشاب بخطبة فتاة ما أو يحبها فيضطر أحيانا إلى أن يزوج شقيقته لشقيق خطيبته أو زوجته، وهذا الزواج إن حقق سعادة لأحد الطرفين فهو يحقق التعاسة للآخر! بالإضافة إلى إن أية مشكلة ستطرأ على حياة أحدهما سيتأثر الطرف الآخر فيضطر البعض للانفصال بسبب طلاق أو انفصال الزوجين الآخرين.
ويمكن تسمية هذا الزواج أيضا بـ (زواج البدائل) فذلك يساعدنا في أن نشخص الظاهرة أكثر ونضع الحلول لها مستقبلا، ففي أحيان كثيرة يكون زواج البدائل طريقة أسهل من الناحية المادية للزواج بسبب غلاء المهور ربما، حيث يتزوج الرجل دون دفع المهر وخاصة أن المهور أصبحت تتطلب مبالغ كبيرة من المال والتجهيزات، في ظل ارتفاع أسعار الذهب وتزايد طلبات أهل الفتاة، حيث يقوم الأهل بتزويج الفتاة لمن يدفع أكثر وكأنها سوق نخاسة متطورة وبدائل عصرية وهذه الظاهرة (كصة بكصة) إيجابية من الناحية المادية بالنسبة للرجل، فهذا الزواج لا يكلف العريسين حيث يقوم أب كل بنت بتجهيز بنته للعريس الآخر.
ولكن لا يمكن ان تكون المرأة هنا ضحية لأخيها الذي يختار شريكة حياته دون ان يفكر بمصلحة أخته؟! ألا يمكن اعتبار هذا الزواج نوعا من المقايضة بين عائلتين والسلعة هنا أسرة كاملة وهي الزوج والزوجة، حيث تبرم الصفقة والمغلوبة على أمرها ليس لها حق الدفاع عن نفسها كما إن النظام القبلي الذي يحكمنا إلى هذا اليوم هو الذي يشدنا دائما إلى الخلف وذلك عندما تكون أيدولوجياته وأفكاره هي السائدة في المجتمع فانه من الطبيعي ان تتخلف المرأة ومن بعدها الرجل، وربطت تخلف الرجل بتخلف المرأة لأنها تمثل اكثر من نصف المجتمع كما أنها الركيزة الأولى في بناء الأسرة في أي مجتمع.
وللحصول على معلومات أكثر حول موضوع (زواج البدائل) كان لابد لنا أن نأخذ رأي الدكتور "أحمد الزيرجاوي" رئيس قسم علم النفس جامعة كربلاء قال:
(إن العلاقة التي تشكل الزيجات في داخل العرف العشائري غير محصورة بين الزوج والزوجة فقط، بل تتعدى لتشمل المنظومة كاملةً، وفشل أو نجاح العلاقة الزوجية من الممكن أن يتحمل وزرها عائلة أخرى تتحكم بمصيرها السلطة العشائرية، وهذا خلاف لمفاهيم القران، لما يسبب زواج بالإكراه أو خراب بيت، فيدفع ثمنه زوجين لم يرتكبون أي خطأ!، كما إن اضرارها النفسية متنوعة والإجتماعية لا تقل عنها فبمجرد أية مشكلة حتى تنتهي المسألة بمعاقبة الطرف الاخر مولدة الإكتئاب للاطفال وللزوجين معاً.
وعندما سألناه عن الحلول التي من الممكن أن تقدم لوأد هذ الحالة قال:
من المعروف إن إقتلاع الجذور المتأصلة في العمق صعب جدا... إذا ماعلينا هو عدم سقي هذه الشجرة لتصل الى حالة التيبس وتموت من حالها، ما اريد أن اصل اليه، على الجيل أن يتحلى بالوعي الكامل ولابد أن يمتلك ثقافة عالية من المدنية، وعندما أقول المدنية لا أقصد أن يخلع اصالته، بل يجمع الإثنين معاً، لأن الجيل المتنور الذي يفهم حقوق المواطن من الممكن أن يأثر على الجيل السابق.
كما إن للرجال الدين دور كبير في تثقيف المجتمع وتوعيتهم، ولاسيما بأن اغلب العشائر تدعي التدين، وهنا من الممكن أن يحصل تناشز معرفي، لمن يدعي الدين ولايطبقه في فعله العشائري، فلابد لرجال الدين والأكادميين وحتى المثقفين أن يبرزوا حالة الإبتعاد عن التناشز والسير توأمةً مع المدنية).
كما إن القانون العراقي فيه العديد من نقاط القوة الكافية التي تحد من الزواج الإجباري لكلا الجنسين إذ ان المادة التاسعة من قانون الاحوال الشخصية الفقرة الأولى تنص على إنه_لايحق لأي من الأقارب إكراه أي شخص على الزواج ويعتبر العقد باطلا ويعاقب من يخالف الفقرة_
بالحبس مدة تزيد عن ثلاثة سنوات لكن ما يمنع الناس من إستخدام هذا القانون هو الجهل والوعي الغير كافي وضعف الثقافة القانونية لمعرفة مالهم وماعليهم من حقوق.
اضافةتعليق
التعليقات