يُعتبر التدخين من أكثر الظواهر السلبية انتشاراً في المجتمعات, خصوصاً بين فئة المراهقين والشباب, وهو ليس مقتصراً على الذكور دون الإناث, إذ كشفت الإحصائيات عن انتشار عادة تدخين السجائر والشيشة بين الفتيات بشكلٍ كبير, وان هذه الإحصائيات قابلة للزيادة, خصوصاً في ظلّ الانفتاح غير المسبوق الذي بدأ يتعمّق في صُلب المجتمعات, مع انتشار تدخين الشيشة في المقاهي العامة, وهذا يُعدّ مؤشراً خطيراً, ودليلاً على ان المجتمع بات يعتبر التدخين شيئاً أقل من عادي, بل إنه أصبح بالنسبة للكثيرين فرصةً لإظهار انفتاحهم وتفاخرهم بنوع دُخانهم, متناسين الضرر العميق الذي يفرضه الدّخان على الصحة الجسمية والجنسية وحتى النفسية, وهذا مالا يُحمدٌ عُقباه, وعند دراسة هذه الظاهرة ومناقشتها مع العديد من شرائح المجتمع, تم طرح العديد من الاسئلة المتعلقة بالتدخين, والتي تهدف لإبراز أسباب هذه الظاهرة, ومن بين هذه الاسئلة: من الذي دفعك لتدخين أول سيجارة في حياتك؟
هل تعلم مدى خطورة التدخين على صحتك؟
كم مدخن في عائلتك؟
كم معدّل مايستهلكه التدخين من مصروفك اليومي؟
كما تم توجيه الأسئلة الى أكثر من طبيب للحديث عن الضرر الفعلي الذي يُسببه التدخين،
وبعد توجيه هذه الأسئلة وغيرها الى عددٍ من المدخنين, جاءت الاجوبة مختلفةً, فأحد المدخنين محمد كريم أجاب: كانت أول سيجارة حصلت عليها في حياتي من علبة دخّان والدي, الذي كان يترك دُخانه أحياناً في أي مكانٍ في البيت, خصوصاً وقت نومه, وبعد ان أخذت أول سيجارة وجربتها لأول مرة, وجدتُ الأمر ممتعاً, رغم أنني لم أستسغ طعمه في البداية, لكن فضولي دفعني الى ان أجرّب أكثر من مرة, فوجدت نفسي في النهاية أرغب بالتدخين وكأن شيئاً في دمي ينقصه دخان سيجارة.
أجاب مدخنٌ آخر علي المرشدي عن أولى تجاربه مع التدخين حيث قال: أن حب المغامرة بالتجربة جعلني أستنشق الدخان بشغف كبير, مرافقة الاصدقاء ونصائحهم الطفولية سبب مشجع للدخول في تجربة التدخين.. مع مرور الزمن نعلم جيداً مدى خطورته على صحتنا لكن الادمان يكون قد احتل كل الاعصاب من الصعوبة الاقلاع عنه, مجتمعنا العراقي والبطالة يجعلنا نهرب من الواقع ونلجأ الى التدخين.
عدد المدخنين في عائلتي 4 أشخاص وهذا يعتبر أحد الاسباب لأختياري التدخين, من2000 الى 3000 دينار عراقي تقريباً معدّل مايستهلكه التدخين يومياً و25,000 دينار بين مراجعة الاطباء والمستشفيات.
أما المدخن محسن أجاب عن تجربته مع التدخين, وهو شاب يبلغ من العمر أثنان وعشرون عاماً, ويقول بأن أول مرةٍ جرب التدخين كان في الصف السادس الابتدائي, حيث كان لجده علبة سجائر يدخن منها كل يوم, ويقول في بعض الأحيان كان جدي هو من يعطيني سيجارة ويطلب مني أن أخرج الدخان من أنفي وفمي ويقول لمن حوله من الاصدقاء والاقارب مازحاً أنظروا لقد أصبح رجلاً!, ويضيف أنه أصبح يستغل غياب والديه عن البيت ويدخن حتى أصبح مدمناً.
وقد لوحظ من خلال الاجوبة أنّ في كل عائلة يكون فيها مدخنٌ واحد, يصبح فيها مع الزمن عدداً أكبر من المدخنين, حيث يتعلّم الابناء من والدهم, والاخوة من بعضهم البعض, وهكذا, وعند التوجه بالأسئلة الى أكثر من مدخن حول معرفتهم بالأضرار التي يسببها الدخان لأجسامهم, تبين أن الغالبية العظمى منهم تنظر الى التحذيرات الصحية التي تطلقها جميع الجهات عن التدخين بأنها مجرد كلام ينطوي على مبالغاتٍ كثيرة, والبعض يتناولها من جانبٍ ساخر, والبعض الاخر أظهر عدم مبالاته بها, فيما تنظر فئة من المدخنين الى اضرار الدخان بشكلٍ جاد, لكنهم رغم هذا يعتقدون بأنهم لايستطيعون تركه أبداً, لأن أجسامهم أدمنت النيكوتين.
عند توجيه السؤال لطبيبة الاسنان الدكتورة ديـمـا خـالـد الأطـرش حول مايسببه التدخين من ضرر للفم واللثة والأسنان, أوضحت الطبيبة: يؤثر التدخين بكافة اشكاله سواء كان تدخين السجائر أو الشيشة على مظهر الاسنان الجمالي ويسبب أصفرارها, تتكون طبقة من النيكوتين على أسطح الاسنان مما يؤدي الى تسوس الاسنان وتآكلها, أما اللثة فيغطيها ويمنع كريات الدم البيض من وظيفتها من مقاومة البكتريا, كما يسبب رائحة كريهة للفم بالاضافة لنزف الدم المستمر.
أما عند سؤال أحد الاطباء العامّين وهي الدكتورة حـنـيـن كـريـم هـاتـف عن مضارّ التدخين, أوضحت: أن أول ضرر يسببه التدخين هو مرض الجهاز التنفسي والقصبات الهوائية وغالباً ماتجد المدخن غير قادر على مقاومة الامراض حتى البسيطة منها بسبب قتل النيكوتين للغدد وقد يقع بأمراض سرطانية يصعب معالجتها.
وبعد البحث والاستقصاء فيما يخص المدخنين, تبيّن أن السبب الاكبر في التدخين وخصوصاً بين طلبة المدارس والجامعات, هو غياب الوعي الذي من المفترض أن يزرعه الأهل في نفوس أبنائهم, بالإضافة الى قلة توجيههم لأبنائهم, إذ من المفترض أن يغرس الاباء في ابنائهم أن التدخين من المهلكات, مع ضرورة التلويح بالعقاب المناسب في حالة لم يلتزموا بالامتناع عن التدخين, كأن يقلل الأهل مصروف ابنائهم, ويمنعونهم من الخروج مع أصدقائهم المدخنين, وغير ذلك من التربية التي تُعزز الرقابة, خصوصاً أن الإحصاءات تُشير الى أن أكثر من 20% من المدخنين قد بدأوا قبل سن العاشرة.
اضافةتعليق
التعليقات