(نريد وطنا) شعار لا زالت الأكف ترفعه في ساحات الوطن من اقصاه إلى اقصاه.. فما اقسى ذلك الشعور حين يفتقد المواطن العراقي إلى وطن وهو لم يبرح تراب وطنه!!. لم يزل ولا يزال منغرزا في اديم هذه الأرض الطيبة، لكنه _للأسف الشديد _فاقد لحس المواطنة، ومفتقد لكرامة العيش على أرضه وأرض اجداده.
كم هو مؤلم التغرب داخل الوطن؟! وكم تكون المقاييس مجحفة بحق الانسان المواطن حين يستلب حقه في العيش الكريم؟!
(نريد وطنا) شعار كبير بحجم الجرح الغائر في كينونة الانسان العراقي.. ذلك الجرح الذي لم يندمل يوما رغم تغير الظروف والأحداث.. ورغم كل الرياح التي عصفت بجسد هذا الوطن المقهور.
( نريد وطنا) لافتات رفعها شباب هذا الوطن وشيبته.. نساؤه ورجاله.. الكل بلا استثناء يبغي وطنا يستفيء بظله وينعم بخيراته بلا منٍّ من احد أو تفضّل، بل باستحقاقاته كشعب حباه الله بغنى ارضه.. فلا عيش اذن بلا كرامة.. وحين تفتقد الكرامة الانسانية يغدو الوطن ساحة اشباح لا حياة فيها ولا نماء.
ومن أجل الكرامة لابد من نهضة جماعية للمطالبة بالحقوق وإلا فإن الحق سيضيع في مهب الرياح. وكما قيل فإن اليد الواحدة لا تصفق، لابد إذن من تضافر الجهود وتكاتف الأيادي لرفع الصوت عاليا واستحصال الحقوق.. فما ضاع حق وراءه مطالب.
المطالبة بالحقوق كانت فيما مضى سمة مغيبة في أوساطنا، بالرغم من أنها حق مشروع لكل أمة تنتهك حقوقها وتغتصب وتسرق خيراتها جهارا نهارا.. لعل الثقافة التي تربينا عليها طيلة عقود مضت هي السبب في تغييب هذه السمة الايجابية.. ابتداء من الاسرة ووصولا إلى السلطة.. فتقديس الكبير فرض واجب لا مندوحة عنه، فلا ينبغي مثلا للأبناء أن يقللوا من احترامهم لآبائهم إذا ما طالبوا بحقوقهم المغبونة!.. كما لا ينبغي للناس أن تطالب بحقوقها من حاكمها لأن مطالبتها مدعاة الى الفتن واثارة الشغب.!. فتقديس الكبير أدى إلى شيوع مثل هذه الثقافة.. ثقافة الخنوع والاستسلام والصبر السلبي، الذي لا يؤدي إلا إلى المزيد من الاجحاف والحرمان والتدهور على كافة المستويات.
حينما يمارس الأب في البيت وصايته الأبوية قهرا فوق رؤوس ابناءه، فلا يسمح لهم بنقاش ولا يفسح لهم المجال لحوارات بنّاءة أو اعتراضات تخص مستقبلهم بذريعة طاعة الوالدين أو أنه الاعلم بما ينفعهم، مثل هذا الأب يتحول إلى غاصب للحقوق وأن تسمّى أبا ووالدا.
فكيف بنا وأنى لنا أن نُنشىء جيلا مقداما شجاعا ونحن نقمعه ونسكته ونمارس بحقه تكميم الأفواه.؟!. فلو نشأ أبناؤنا على الخضوع والاستكانة بفعل قيادة أبوية استبدادية، فلن يكونوا ملومين بعد ذلك.
إننا مدعوون إلى أن ننفض عن كواهلنا اليأس الذي استشرى في مرابعنا، وأن نحلم ونحلق في أحلامنا كشعب كريم لديه من الامكانات والثروات ما يغبطه عليه جيرانه ويحسده عليه اعداؤه.
علينا أن لا نطالب بسفاسف الأمور بل نطالب من يملك ناصية القرار السياسي بحياة مشرّفة تليق بابناء الوطن الذي ضحى وقدم خيرة شبابه في معركته ضد الارهاب الداعشي.. ماذا جنينا بصمتنا طيلة السنوات الماضية والتي تلت تحرير العراق من قبضة الدكتاتورية البعثية؟ لم نجنِ من سكوتنا سوى تزوير ارادتنا، بل سكوتنا جعلنا ندفع فاتورة باهضة الأثمان، ولم نحصل الا على مزيد من اللصوصية والاستحواذ وتقاتل الفرقاء على كعكة الوطن.. بينما ظل الفقير على فقره يلعق جراحه ويندب حظه مستكينا لواقع مزرٍ وحاكم يغرد خارج السرب.
أما اليوم فقد تغيرت الخارطة وبلغ السيل الزبا مما ولّد حالة جماهيرية من الرفض المطلق لكل الطبقة السياسية الحاكمة والمتحكمة برقاب العباد.
لقد بدأت الجموع بالتوافد إلى الساحات للتعبير عن رفضها وغضبها من المستأثرين بالمال العام فعلت أصواتهم لتعيد التوازن والعدالة إلى ربوع الوطن ولتردم الهوة السحيقة بين الحكام والرعية إننا اليوم مطالبون جميعا بأن نطالب السياسيين بارجاع الأموال المنهوبة إلى خزينة الدولة.. لنغرقهم بالمطالب تلو المطالب حتى لا يكون أمامهم فرصة للاستئثار أو التآمر على مصلحة البلاد ، أو فرصا لتحقيق مكاسبهم الشخصية.. وأنهم لابد أن يحاكموا وأنهم ليسوا فوق المساءلة فالجميع يطاله القانون فبهذا يتغير حالنا ولن نكون بعد اليوم كقطيع ماشية يقوده حكامه إلى المذبح.
أما الشعار الرديف ل ( نريد وطنا) كان بعنوان ( نازل آخذ حقي) ثلاث كلمات اختزلت عملية المطالبة بأبلغ الكلام.. فالأمة التي تنزل بكل ثقلها إلى الشوارع لتطالب بحقوقها أمة واعية لن تُقهر ولن يستطيع الظالمون ثنيها أو اسكاتها أو مماطلتها في احقاق الحق وارجاع المغتصب.
تجارب من الأمم:
ولعل تجربة الشعب الروماني من أنجح التجارب التي نالت من خلالها الأمة الرومانية ثمار مطالبها بعد نزول أبنائها إلى شوارع البلاد..
(بالرغم من التوسع في الصناعة إلا أن مستوى المعيشة للفرد الروماني لم يرتفع. وازداد عدد سكان المدن والنازحين من الأرياف، وتعقدت المشكلات. وزاد الأمر سوءًا فساد الحزب الشيوعي. وكثر الاقتراض من الدول الغربية ومصارفها لتمويل المنشآت الصناعية.
وكانت حكومة شاوشيسكو قد وضعت نظامًا متشددًا على حريات الرومانيين. وفي منتصف ديسمبر سنة 1989م تظاهر آلاف الرومانيين في مدينة تيميسورا، يطلبون مزيدًا من الحريات، وتحسين مستوى المعيشة. فقام أعضاء فرقة الحرس الحكومي بإطلاق الرصاص على المتظاهرين فقتلوا المئات. ومن ثم انتشرت الاحتجاجات ضد الحكومة في طول البلاد وعرضها. واجتمع عشرات الآلاف من الرومانيين في شوارع بوخارست، يطالبون بحريات أكثر وباستقالة شاوشيسكو. وضربت قوات الأمن المواطنين بالنار. ووصل عدد القتلى إلى الآلاف، فانضمت بعض وحدات الجيش الروماني إلى المتظاهرين. واندلع قتال رهيب بين قوات الجيش وقوات أمن شاوشيسكو.
وفي 22 ديسمبر 1989م حاول شاوشيسكو وزوجته الهرب من بوخارست أثناء مظاهرات صاخبة ضد الحكومة. لكن سرعان ما ألقي القبض عليهما، واتهما بارتكاب جرائم قتل واختلاس أموال الحكومة. ووجدا مذنبين وأعدما في 25 ديسمبر أمام شاشات التلفزيون).
حين التمعن والنظر في أحوال الشعوب العربية والإسلامية الآن نرى أنها كلها تتحرك في واد وتحلم بأحلام مشتركة.. بينما يتحرك قادتهم في واد آخر!! بل ويسعون إلى أهداف أخرى بعيدة عن تطلعات شعوبهم.. مما ولّد فجوة هائلة بين الحكومات وشعوبها.
ومن أجل أن نضع قطار الشعوب على السكة الصحيحة، لابد من المطالبة بالحقوق المشروعة عبر التظاهر السلمي والذي يعيد انتظام الأمور إلى نصابها الصحيح.
قد نواجه في البدء احباطات من البعض ممن يستسيغ الظلم ويصبر عليه.. ولعل هذا البعض يحاول عرقلة مسيرة الاصلاح، عبر وضع العصي في العجلات لثني الناس عن مطالبها المشروعة وذلك عبر توهين النفوس وبث روح اليأس من الاصلاح.. وأنه لا فائدة ترجى من التحرك الشعبي ولا بصيص أمل في الأرجاء.. وإذا ما حدث وتشجع فريق من الناس وأخذ في المطالبة بالحقوق وجدنا من المحبطين من يقول أنه لا فائدة.. وأنه لا أمل في التغيير!! وأنه لن يُسمع لك أو يستجيب أحد لمطالبك.
ولعل البعض ممن ينشدون الاصلاح يخطئون طريقه عبر توجيه الناس نحو الصبر على الأوضاع ، وينسى هؤلاء أن الصبر هو مرحلة انتقالية للتعامل مع ظلم لا يستطيع الإنسان رفعه أو تغييره! فليس مطلوبا منا أن نصبر حتى نهلك!.
إنه خلاف المنطق بالتأكيد فالصبر هنا معناه أن نرضى بالظلم ونسكت عمن ظلمنا.. وهنا نكون شئنا أم أبينا شركاء فيه.. وهذا ما لا يرتضيه عاقل وإنما إذا تهيأت الفرصة لتغيير المنكر وإبطاله، أصبح من الظلم للنفس أن يصبر الإنسان عليه ولا يسعى لرفعه.
إذن فطالب بحقك _أيها المواطن _واستمر في المطالبة واعلم أن صوت الجماعة أعلى من صوت الفرد.. وأن العصي يأبين تكسرا إذا ما اجتمعن سوية، ولتُسمع كل العالم مطالبك الحقة.. حتى تتحقق كل أحلامك وأحلام أولادك، وأحلام الأجيال القادمة بإذن الله تعالى.
اضافةتعليق
التعليقات