الاستقلالية ركن مهم من جملة حقوق واجب التمتع بها ومنحها والمطالبة بكل السبل للحصول عليها، وسلبها مرفوض في القوانين البشرية المستمدة من القوانين الإلهية ، ونقطة الخلاف تكمن في فهم وتطبيق معنى الاستقلالية من منظور كل فرد وجماعة من سكان المعمورة بمختلف مشاربهم ومذاهبهم وعقائدهم.
ونحن نتربع على قمة التكنولوجيا والانفتاح الذي اجتاح الأمم ومن المفترض ان يرافقه او يفرضه تطور فكري وسلوكي وطبائعي. يستمر المجتمع الشرقي الذكوري يميل بالقول مع استقلالية المرأة توافقا لجوهر التعاليم الإسلامية ويتعكز بالفعل على الافكار والموروثات العقيمة التي تضطهد المرأة ليستمر بمكاسبه بالسيادة والرياشة الذكورية والخضوع الأنثوي، وعند سماع (امرأة مستقلة ) تقفز في أذهانهم المرأة المتعصبة المصابة بعلة ما في تكوينها الانثوي (المسترجلة)، ويصوبون سهامهم عليها وفق الأفكار المتعارف عليها في بيئتهم الراسخة والمهيمنة، افكار متناسلة من العقول المعطلة الكسولة التي اعتادت على الاتباع لا على التفكر والانتقاء بوعي شامل التوجهات والآراء، فإذا فرضنا جدلا إن هناك قبولا نوعا ما للمرأة المستقلة ماديا ممن طحنهم العوز والفقر ومتطلبات الحياة العصرية فقبلوا باستقلالها على مضض وتنصل من مسؤولياتها او من قبيل استقلال الرأي لدى الأشخاص الدارسين المتفهمين نوعا ما لحقوق المرأة اذا لم تكسر القواعد المرسومة حولها والمتعارف عليها في محيطها كخط سليم في كل المجالات سياسي، اجتماعي.. الخ.
فما هي ردة فعل أولئك الذين يرون المرأة ظل وتابع لهم حين تطالب باستقلاليتها الفكرية والمادية، مؤكدا سوف تجرم وتضرب في اكثر المناطق ضررا وهو اتهامها بالمعصية والانحلال الاخلاقي.
أن تكون مستقلة يعني ملتزمة غير منضوية او تابعة لشخص ولكن في ذات الوقت هي محافظة على مبادئها وقيمها وأخلاقها، أن تكون مستقلة يعني أنها تقف بشجاعة بوجه الظروف مهما عصفت بها وتتحمل المسؤولية، قوية لا تنكسر ولهذا اختارت ان تكون مستقلة، ثقة عالية بنفسها وقدراتها دفعها لتطالب بالاستقلالية.
وعن المرأة المتحررة تلك الصفة التي يرتعب منها العربي وتقف في البلعوم، كان خير الآراء وأوجزها هو ما ردت به الكاتبة والروائية غادة السمان حين سألت: لماذا كلما حكي لعربي عن امرأة متحررة، يقفز فجأة الفعل الجنسي إلى مقدمة رأسه؟ هل المرأة المتحررة هي المرأة السهلة المنال؟ وكيف نحرر صورة المرأة المتحررة من تهويمات وتخيلات العامة المبتذلة؟.
تجيب غادة قائلة: تعاني المرأة من هذه النظرة الخاطئة، ومن الطريف أن المرأة المتحررة أصعب منالا من المرأة المقموعة. فالتحرر في نظري هو المسؤولية، وبالتالي فإن المتحررة ترفض التهتك لا خوفا وإنما عن قناعة وهذا يعصمها عن المعاصي السرية حتى اذا سنحت لها الفرصة. كلامي لا يعني بالطبع أن كل مقموعة لن تتردد عن الزلة إذا سنحت لها الفرصة، بل يعني أن التحرر يبدأ بالرأس والإرادة.
كيف نحرر صورة المرأة المتحررة؟
تجيب السمان: اعتقد ان بوسع وسائل الاعلام المشاركة في ذلك بصورة غير مباشرة، ويقع على كتف المرأة المتحررة العبء الأكبر من هذه المهمة، حيث تثبت أنها جديرة بحريتها، وأن قيمة فضيلتها مضاعفة لأنها فضيلة اختيار لا إرغام، وأن تحررها ليس من القيم الإنسانية بل هو إبحار حر صوبها، كما أنه ليس من الرجل بل نحو صلة صحية إنسانية ودية به، رفيق في العمل وأخا صديقا او زوجا. والمرأة العربية المتحررة قدمت حتى اليوم نموذجا بالغ النضج من حيث صلة التحرر بالأخلاق والأمومة والرجل والوطن.
المرأة تريد أن تربح حريتها دون أن تخسر أسرتها، وهي ليست ضد الرجل بل ضد ما يفسد إنسانية صلتها به وما يحول بينهما والعيش الحر الكريم في مجتمع إنساني معافى.
اضافةتعليق
التعليقات