النهوة فيروس متفش في المجتمعات العشائرية، قد يقول قائل أنها أعراف قديمة.. ونادرا ماتحدث! وأنا أشاطركم الرأي أيضاً ولكن إن هذه الظاهرة قد تكون قلة في المدينة، ولكن في المحافظات الجنوبية، والمناطق الريفية تأخذ حيزا كبيرا من حياتهم وكثيرا مانجد فتيات تعدى بهم العمر وضاعت عليهم فرص الزواج بسبب ظاهرة "النهوة".
ويسبب تعطيلها عن الزواج من قبل ابن العم ولا يستطيع الأب أو الأخ أن يتدخل بسبب تلك الأعراف والتقاليد، وهي كبت لحرية المرأة واستلاب لحق الاختيار.
الظاهرة التي نتحدث عنها هي (النهوة) ولمن لا يعرف معناها نقول إنها عرف عشائري موروث وتعني تعطيل زواج المرأة من قبل ابن عمها بكلمة للمتقدم لخطبتها وهي (إنت منهي)! هكذا ومن خلال هذه الكلمة يمكن أن تبقى هذه المرأة عانسا مدى حياتها، إلا إذا رقّ قلب ابن عمها فيعمد هو إلى الزواج منها أو إذا ما تم دفع مبلغ من المال إلى ابن العم لإرضائه وبالتالي لـ
(يفك النهوة) والموافقة على زواج ابنة عمه من الشخص الذي دفع المبلغ، علما أن النهوة ليست من اختصاص ابن العم فقط، إذ يمكن لأي من أقارب المرأة أن (ينهي عنها) لتبقى عانسا مدى الحياة، كما أن النهوة ربما تكون ثأرية فمثلما ينهي ابن العم عن زواج ابنة عمه، كذلك بإمكان إخوة هذه المرأة أن ينهوا عن زواج أخوات ابن عمهم وهكذا تعيش بعض الأسر العراقية في دوامة لا نهاية لها تكون ضحيتها المرأة التي ربما تفكر في الانتحار أو ربما الهرب وبعد ذلك يهدر دمها.
النهوة؛ موضوع شائك ومتعدد الأطراف، فهناك أسباب وظروف ساعدت على النهوة في المجتمع العربي خاصة، وسببها هو العادات العشائرية والتخلف. وقد حث الدين الإسلامي على محاربة هذه الصفات الذميمة لتعيش المرأة في ظل الإسلام محترمة ومصونة ولها شخصيتها المميزة، فهي نصف المجتمع وهي الأخت، والأم، والزوجة، والبنت فكيف يمكن أن تعامل بهذه الطريقة التي سلبت من شخصيتها وحرمتها من أبسط الحقوق ألا وهو حق اختيار الزوج الذي شرعه الله لها لكي تخلق جيلا جديدا فكيف يمكن لابن العم أو الأخ أن يمنع زواج أخته وتركها لفترات طويلة حتى يمر عليها الزمن وهي التي تحتاج إلى أن تكون زوجة مخلصة، وأم حنون وتكون أسرة لبناء المجتمع .
إن تقليد "النهوة العشائرية" عرف سائد وموروث في المجتمعات التي تحكمها القبيلة، ونعرف أن بعضاً من تلك التقاليد متخلف، بل وحتى يتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف، وهذا بسبب قلة الوعي لدى أبناء العشيرة أو المجتمع بشكل عام، وأن المرأة في المجتمع العشائري ربما تكون ضحية الأب أو الأخ أو ابن العم، لذلك من الضروري مراعاة حقوقها المشروعة، فالبعض من أبناء العشائر غالبا ما يحاولون منع أي شخص غريب من أن يتزوج ابنة عمه، ويصرّون هم على زواجها بغض النظر عما إذا كان هناك تفاهم بين بنت العم وابن عمها، وإن كان يكبرها بعدّة سنين، فالفارق العمري والتفاهم ليس مهما بالنسبة لهم، فضلا عن رضا الفتاة أيضا، حيث يجبر الأهل الابنة دائما على الزواج من أقاربها استنادا إلى الصلة الاجتماعية بين أبناء البيت الواحد أو العشيرة الواحدة حيث تستمد تواصلها من هذه الزيجات، كما أننا في الغالب نرى أن مصير هذه الزيجات في النهاية هو الفشل، وبالتالي تنتهي إلى الطلاق وقسم منها ينتهي بزواج الرجل من زوجة ثانية، أو ثالثة وتصبح ابنة العم ضحية.
لذلك اعتبر مجلس القضاء الأعلى النهوة العشائرية تهديدا وفعلا ارهابيا ويحاسب مرتكبها بموجب قانون مكافحة الإرهاب مع التشديد بالحكم على من يمارسها.
وأصدر مجلس القضاء الأعلى قراره الفصل بتشديد عقوبة "النهوة العشائرية" واعتبر الـ"النهوة" المقترنة بالتهديد إرهاباَ، وفق المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب رقم (13).
إذن هو انتصار للمرأة بعدما كانت تلك الأعراف سجن لها مدى الحياة، وبعد أن أودى ذلك العرف العشائري بحياة الكثير من الفتيات والشبان، سواء عن طريق الانتحار أو القتل “العمد”. وهي ظاهرة مؤلمة ومؤسفة، لها آثارها وتداعياتها السلبية، وتقود في غالب الأحيان إلى عواقب وخيمة، من أبرزها تفكك الأسرة، بالإضافة إلى أن مثل هذه الزيجات لم ينجح أكثر من 70 بالمئة منها، ولأسباب كثيرة، أهمها عدم القبول بالآخر الذي فرض نفسه بالقوة، ولذلك فإن مستقبل هذا الزواج يكون محفوفا بالمخاطر المتنوعة التي قد تصيب الأسرة، وأخطرها انتقام الزوجة بطرق ووسائل شتى، ونشوء أسرة غير متوازنة ومفككة، وأغلب زيجات أبناء العم القسرية التي تستند إلى مبدأ – هذا ابن عمك وهو زوج لكِ – ، تؤدي إلى انهيار الحياة الزوجية كما يتسبب بتعدد الزيجات لعدم وجود توافق بينهما، وهو ما يفسر تعدد الزوجات في المناطق العشائرية مقارنة بالمدينة وأن هناك الكثير من المشاكل النفسية والاجتماعية التي تظهر بعد شهرين أو ثلاثة أشهر، ومن أبرزها الأكتئاب.
بالاضافة إلى أن هذه الظاهرة الاجتماعية خطرة تخص المجتمع، فهي تؤثر على البنت، وعلى الولد اللذين يتم الاتفاق على زواجهما ومن ثم النهوة وما يترتب من مشاكل صحية قد يسببها ذلك الشخص المنهي على ابنة العم وعلى الأخت فقد يسبب لها عقدة نفسية أو حالات كآبة هي في غنى عنها وربما كان الزواج هو الأصلح لها لكي لايتغلغل الفساد في المجتمع الإسلامي.
لذلك يجب تثقيف تلك المجتمعات المتخلفة التي تكون المرأة فيها ضحية للعرف العشائري القاسي، ونتمنى أن يأخذ حقه في التنفيذ.. وكذلك بقية الأعراف العشائرية الأخرى التي لا تمت لا للدين ولا للأنسانية بصلة مثل الفصلية، الذي يتم بموجبه تزويج البنت لأهل القتيل تعويضاً عن خسارتهم والثأر من عشيرة القاتل، والكثير من الأعراف المقيتة الأخرى ويجب أن تكون الكلمة العليا للقانون وردع العشائر التي لاتبالي بفرض القانون وتسير خلف مصلحتها وإن كان على حساب الفرد يجب أن تأخذ هذه القوانين مجراها الحقيقي في المجتمع لكي يشعر المواطن بأمان ويشعر أن هناك قضاء رادع وعادل يضمن للأنسان العيش بكرامة.
اضافةتعليق
التعليقات