في بلدي العراق أصبح الموت بالمجان لدرجة أن شبابه بدلا أن يموت في الحروب أو غرقا بالغواصات بات يقتل نفسه للخلاص من الوضع، كل عام يودع الأهالي المئات من ابناءه وبشكل يومي تصحو البيوت على فجيعة شاب أطلق الرصاصة على رأسه أو شنق نفسه أو تناول جرعة كبيرة من المخدرات أدت إلى توقف قلبه، حتى دقت المنظمات الانسانية ناقوس الخطر ودعت إلى معالجة ظاهرة الانتحار والوقوف على أسبابها وبحسب مفوضية حقوق الإنسان في العراق، 132 حالة انتحار خلال الثلاث أشهر الأولى من 2019. وكانت كربلاء هي الأعلى من بين باقي المحافظات حيث بلغت 20 حالة انتحار. وفق موقع RT عربي.
كيف يصبح الانتحار ظاهرة متفشية في العراق البلد المعروف أهله ببساطتهم والتزامهم بالقيم والأعراف الاسلامية التي تحرم هذا الفعل، كيف يصل الشباب إلى هذه المرحلة، هل بسبب التربية البعيدة عن القيم الأخلاقية أم الأوضاع السيئة التي يمر بها البلد أم أسباب أخرى؟.
إن كانت الأوضاع هي السبب الرئيسي كما انتشر في الشارع العراقي، إن هذه الأوضاع التي يعيشها الشعب العراقي ليست وليدة اليوم، فالعراق عاش تحولات تاريخية كبيرة منذ النظام السابق والظلم الذي طال شبابه يشهد له التاريخ.. ولكن لم يكن لهذه الظاهرة أثر ولم تذكر هكذا أعداد مخيفة عن الانتحار؟
وعن أسباب كثرة انتشار ظاهرة الانتحار في العراق تحدثت إلى موقع "بشرى حياة" أخصائية الارشاد التربوي الدكتورة ناريمان حميد..
"دعوني أتحدث عن شخصية الشاب وهو في سن المراهقة يكون كثير الانفعال وكثير الأحلام التي يفجرها كابوس الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب العراقي من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، هذا ما يجعل الشاب يعيش بحالة من الاحباط المستمر".
أضافت الدكتورة: "عندما تجتمع هذه الاسباب ويضاف اليها ضيق العيش واليتم والتفكك الاسري، يصاب المنتحر بنوبة نفسية كبيرة تؤدي به الى الاكتئاب الحاد ومن ثم الانتحار".
وعندما بينا إلى الدكتورة أن هنالك حالات من بعض الشباب لايمسها من هذه الأسباب بل على العكس يسكن وسط عائلته وتكون الأسباب ليست قوية بالمنظار الذي يؤدي إلى انتحار الشاب كأن يكون بسبب الدراسة أو ضيق الأهل وغيرها..
أجابتنا مشكورة: "في هذه الحالة يكون الانتحار إما بسبب ضعف الوازع الديني والتربية الدينية الصحيحة والقناعة والامتحان الرباني وابتعاد الشاب عن ربه وجهله بعقوبة المنتحر عند الله سبحانه وتعالى، أو بسبب التربية الخاطئة من قبل الأسرة وهو مانسميه بمصطلحنا الدارج (الدلال الزائد) يسبب بفساد الابن وتشتت أفكاره".
في نفس الموضوع لخص القانوني رعد سعد الأسباب وفق عاملين وهما:
الأول: غياب الوازع الديني وضعف التربية الاسلامية عند الشباب، لكون الدين هو الرادع لهذا الموضوع من العقاب عند الله وما هو مكانته.
الثاني: المجتمع واطلاعاته بالوقت الحاضر عن طريق التواصل الاجتماعي والاطلاع على ثقافات الدول الغربية كمثل هكذا مواضيع وانتشارها.
أما الأستاذ علي محمد كان له رأي مغاير حيث بين: "إن السبب الرئيسي لانتشار ظاهرة الانتحار هو تعاطي المادة المخدرة فالشاب بمرحلة المراهقة يكون بأوج مرحلة في حبه للحياة والتمتع بها، ويحب أن يظهر بأجمل ما يكون، لا أتصور مهما كانت الأسباب يفكر بالانتحار أو يحاول أن ينتحر إن كان بكامل قواه العقلية ما لم يكون تحت تأثير مادة مخدرة".
أما أم رؤى وهي أم لثلاث بنات أعزت الأمر إلى التطور التكنولوجي وقالت: مع الأسف السبب هو التطور التكنلوجي الذي غزى بلادنا بصورة كبيرة وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي في متناول المراهقين بدون رقابة أو رادع ما أدى إلى تشويش عقول المراهقين والمراهقات واطلاعهم على الثقافات الغربية والابتعاد كثيرا عن ثقافتنا العربية فأصبحوا مغيبي الهوية ومتجهين نحو الثقافات الغربية مما أدى إلى أن يكونوا ضعيفي الشخصية ويقلدون كل ما هو غير مألوف في المجتمع الذي يعيشونه هذا مايجعلهم في حالة رفض إلى كل ما يدور حولهم والتمرد على الواقع ما يجعلهم فريسة الانتحار.
وعند سماعنا إلى آراء ذوي الاختصاص اتجهنا إلى الشباب والمراهقين لمعرفة الأسباب بحسب رأيهم والتقينا بياسين البالغ من العمر 12 عاما وعند سؤاله عن رأيه حول انتشار ظاهرة الانتحار أجابنا: "ضغط الأهل المستمر على ابنهم وكأنه ليس ابنهم وانتقادهم الدائم لتصرفاته والتضيق عليه في الدراسة يجعله يفكر في الانتحار".
أما آية أحمد (15 عام) فقالت: "نحن جيل لنا آراءنا ولنا شخصيتنا المنفردة والمجتمع دائما يعاملنا على أننا نكره وأننا مختلفين هذا يضاقنا جدا، إضافة إلى أوضاع البلد السيئة والأخبار المحبطة التي تحيط بنا تجعلنا نكره الحياة ونشعر باليأس، ولكن مع هذا فالانتحار ليس هو الحل فأنا ضد هذه الفكرة".
من خلال الاستطلاع أعلاه الذي وضح بعض الأسباب وراء تفشي ظاهرة الانتحار في العراق التي تلوح بناقوس الخطر تجاه شبابنا وتفكيرهم بهذا الطريق السوداوي لذا يجب على الدولة ومنظمات المجتمع المدني أن تتحرك صوب هذا الخطر الذي بات منتشراً بين شبابنا وأن تسعى جاهدة إلى تقليل هذه الظاهرة من خلال اتخاذ أشد الاجراءات نحو المسببات ويكون ذلك من خلال:
١/ على منظمات المجتمع المدني تنظيم ورش عمل مكثفة خاصة للشباب تتكلم عن الاكتئاب الذي يؤدي إلى الانتحار.
2/ تفعيل دور المنابر الدينية من خلال الارشاد والنصح وبيان عاقبة من ينتحر.
3/ على الحكومة إيجاد حلول لهذه الظاهرة من خلال فتح مراكز خاصة لتنشئة الشباب والاهتمام بهم. وتفعيل نظام المرشد التربوي في المدارس والاهتمام بها.
4/ للمدرسة دور مهم في مراقبة الطلاب والتواصل مع الأهل في حال إيجاد أي تصرفات غريبة من قبل الطلاب والطالبات مثل الانعزال والميول إلى الكآبة.
5/ مراقبة مشددة من قبل الأهل على تصرفات أولادهم والمواقع الالكترونية التي يتابعونها.
6/ تربية الأولاد تربية أخلاقية ودينية، ومد حبل التواصل بين الوالدين وأبناءهم.
7/ تفعيل دور الطبيب النفسي في مجتمعنا ومراجعة أولادنا على الطبيب النفسي في حالة الشك بأنهم يعانون من مشكلة نفسية.
اضافةتعليق
التعليقات