قيل قديما: إن عشت أراك الدهر عجبا. واليوم نرى ليس عجبا واحدا بل عجائب كثيرة، فمع الحكومات التي تعاقبت على سدة السلطة ما رأينا منها حكومة واحدة تتعامل مع مواطنيها تعاملا مهنيا أخلاقيا، تحفظ فيه كرامة الانسان العراقي وتجعلها فوق كل اعتبار.. إننا للأسف نلمس يوما بعد يوم ازدياد الفجوة بيننا وبين من يحكمنا.. هؤلاء قد لا يحكموننا بقوة النار والحديد كما فعل البعث الجائر، إبّان حكمه وتسلطه على الرقاب.. بل إنهم يتعاملون تعاملا فوقيا مقيتا.. وهذا شيء خطير ولا يتفق بأي حال من الأحوال مع مفهوم المواطنة الحقة..
ففي البلدان المتحضرة تجد المواطن هو الرقم واحد في كل اعتبارات الدولة القائمة، أما في العراق فهو الرقم الأخير والمهمل _إن لم يكن مفقودا_ في أحسن الأحوال.
فما معنى أن تعلن وزارة التجارة عن موافقة مجلس الوزراء على قيامها بإضافة (خمسة كغم) من مادة الطحين الصفر للعائلة الواحدة و(نصف كيلوغرام من مادة العدس) للفرد الواحد ضمن مفردات البطاقة التموينية لشهر رمضان المقبل؟! بل وتضيف كذلك في بيان لها: أن القرار جاء ضمن «تخصيصات البطاقة التموينية المثبتة في موازنة 2019 لغرض توزيعها على المواطنين قبل حلول الشهر الفضيل، ودعماً للعائلة!. بربّكم قولوا لنا وهل يجري دعم العائلة بنصف كيلو من العدس؟!
لقد جُوبه هذا القرار بحملة سخرية واسعة من أطياف الشعب، حتى انهم اطلقوا تسمية (حفنة عدس) على الكمية التي أقرّتها حكومتنا العتيدة!.
فإذا كانت البطاقة التموينية هي حق المواطن العراقي وهي كذلك فلماذا هذه المنّة التي تتعامل بها الحكومة تجاه مواطنيها؟ وهل ستنتهي مشاكل العراق الاقتصادية بإضافة نصف كيلو عدس إلى البطاقة الغذائية؟.
إنّ التخبّط في انتهاج سياسة اقتصادية غير متوازنة، هو ما أدى إلى ضياع فرص كثيرة، كان بإمكانها انتشال المواطن من حالة الفقر والحاجة..
مما أدى إلى خلق تباين طبقي واضح بين أفراد الشعب، فالحل يكمن إذن في سياسات اقتصادية صحيحة، لابد أن تنتهجها الدولة فيما يتعلق بقضايا الإنتاج وإعادة التوزيع للثروات بطريقة عادلة.
(فالدولة ليست كيانًا متميزًا من أنواع خاصة من البشر، وإنما الدولة هي مجموعة من الأجهزة والمؤسسات تجمع أفرادًا عاديين، ومن الممكن إذا لم تتوافر ضوابط مناسبة أن تتحول السلطة في أيدى هذه الأجهزة والمؤسسات إلى وسيلة لخدمة مصالحهم الخاصة، والمباشرة باسم المصلحة العامة.. ولذلك الوجه المقابل هو ضرورة توفير الديمقراطيــــة، بحيث لا تستخـــدم هــذه السلطة إلا فيما يعود بالخير على المواطنين، وألا تُفــرض ضــرائب دون موافقــة ممثلــي الشعب).
وإذا أرادت الدولة أن تحفظ كرامة مواطنيها عليها أولا وأخيرا: أن تكون عادلة في كل شيء والعدالة هي شرط أساسي لديمومة الحكم أياً كان شكله. وبغير العدالة لن تستقيم أمور الناس وسيبقى لهيب الرفض آخذا بالارتفاع، ما لم يتم اطفاؤه بحكمة قادة؛ يقدمون مصالح شعوبهم على مصالحهم الخاصة.
اضافةتعليق
التعليقات