إن وجود الانسان بشكل عام بغض النظر عن جنسه يُترجم ويقاس بسلوكه أي عمله، فلا قيمة للإنسان الجامد، الراكد الذي لا ينتفع من وجوده في هذه الحياة، ولا ينفع غيره بوجوده.
ويمكن تعريف العمل ببساطة أنه بذل جهد في شيء ما يعطي نتيجة وثمرة قد تكون نافعة وقد تكون خلاف ذلك، وهذا الأمر متوقف على توجه ذلك العامل وهدفه وقصده.
فالمرأة هي كيان إنساني له دوره وموقعه في هذه الحياة، بل وكما يقول أحد مفكرينا "المرأة كل الحياة، ولأنها كذلك فعليها مسؤوليات بحجم الحياة".
ومن هذا المنطلق علينا نحن كمجتمع نسوي أو مجتمع بشكل عام، أن ندرك عظم دور المرأة ومسؤولياتها الغير محدودة، فهي في كل جوانب الحياة لها موقع ودور، لذا لا يمكن أن نحصرها بمجال أو ميدان.
فالله وضع شرط لتحقق قبول العمل من كل انسان في قوله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}، [النساء : 124]، فكما أوضحت الآية هو الايمان الذي به يتحقق صلاح كل عمل، فالإنسان هو في خسران في أصل رأس ماله- كما يعبرون- وهو سني حياته في عالم الدنيا، وعلى أساس هذه المعرفة عليه أن يحدد أولوياته التي لابد أن يؤديها(يعملها)، والتي كلفه بها سبحانه وتعالى لكي يُتقبل منه، ويكون زاد له في ذلك العالم.
والآن بعدما أصبح دور المرأة جليّ في كافة ميادين الحياة، وأصبحت مساحة تحركها أوسع وأشمل، هنا لابد أن يتبين عندها مفهوم الايمان، هل تختار ما تقوم به عن رغبة أم مسؤولية؟!
ولنعرف شيء عن الفارق بين الامرين من خلال ضرب بعض الامثلة لنساء الهيات، واللواتي يعتبراَ مقياساً حقيقياً لنا:
في كتاب الله عز وجل صرح بأن المرأة يمكن أن تعمل في الميدان التجاري بل ومدح هذا الأمر في مولاتنا السيدة خديجة عليها السلام حيث جعلها مصدر لإغناء خاتم الرسل بل وقام الدين بمالها، فهنا عمل السيدة كانت ثماره نابعة من وجود روح المسؤولية عندها، والدليل أنها سخرته لنفع دينها وعقيدتها.
فالمرأة التي تعمل في هكذا ميدان لتكون مستقلة مادياً ولتتمكن من إنفاق تلك الأموال لأمور كمالية شخصية، ولتحصل على كل ما تراه ويعجبها فقط فلتعلم أنها تعمل عن رغبة لا عن مسؤولية.
وكذلك السيدة آسيا كانت مثالاً للمرأة القيادية التي تميزت بتعقلها وحكمتها في إدارة شؤون مملكتها، كانت سياسية ولكن بمفهومها الإلهي وهو الرعاية والاهتمام بمن تحكمهم، وتوفير الأمان والسلام لهم، حيث قالت لما أرسل لها نبي الله سليمان بقوله تعالى: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [النمل: 34]، فهي لم تفكر بوجودها وملكها ومقامها وسلطانها، لذا هي من أهل العمل المسؤول.
ومن هنا عندما توضع المرأة في منصب قيادي ولا تكون فيها هكذا خصائص وهمها الوجاهة والتعالي على من رفعوها إلى هذا المقام، فلتعلم إنها تعمل برغبة خاطئة.
السيدة مريم عليها السلام ألقيت عليها مهمة رسالية، وقد أدتها بكل حشمة وعفة وطهارة، لذا إن تدخل المرأة لتؤدي دور رسالي يستوجب عليها أن تحرص على جانب الحشمة والظهور بمظهر يليق ويلائم ما تحمله من رسالة، فكم من النساء اللواتي دخلن بنية وهدف طيب، ولكن أجواء الشهرة سلبها هذا الجانب من المسؤولية، وجعلها تعمل برغبة، فبدأت تظهر بما يلائم من تريد أن تؤثر بهم وتغيرهم، فتأثرت وتغيرت من حيث تشعر أو لا تشعر، وأصبحت رسالة بالظاهر بلا رسالية في الجوهر.
وهناك مثال عن ابنتا شعيب، كما في قوله تعالى: { ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص :23]، فهما عللا خروجهما لعدم وجود من يقوم بهذا العمل الذي هو عمل يحتاج إلى بنية قوية لا تلائم بنيتهما كنساء، لكن خروجهما لأداء هكذا عمل كان من باب المسؤولية.
فالعمل في الأماكن التي عادة ما تكون الأعمال فيها ادارية كالدوائر والمعامل والشركات العامة والخاصة والتي فيها اختلاط، وشيء من الأعمال المجهدة التي لا تناسب بنية المرأة وتكوينها، إن لم تكن مضطرة فعلاً لعدم وجود معيل لها، أو لأنها تريد أن تخدم وتنفع مجتمعها بما تملكه من مؤهلات مع رعاية الحشمة فإن العمل هناك يكون نابع عن رغبة لا مسؤولية، فالإسلام كرّم المرأة وتكفل بما تحتاجه وحفظ ما لها من كرامتها.
فالبعض - وإن شاء الله يكن أقل من القليل - يخرجن هروباً من واقع لم يرضيهن ولسان حالها
"لم أدرس وأتخرج لأجلس في البيت"، أو "أريد أن استقل مادياً لكي لا أضطر للطلب من أبي أو أخي -إن كانت لم تتزوج بعد- أو زوجي -إن كانت متزوجة-"، وتعليلها بالخروج بقولها "لكي أهرب من الضغوطات والمشكلات الأسرية والأعمال المنزلية".
هنا المسألة ليست في خروج المرأة للعمل والاختلاط بل خطورة مثل هذه العبارات التي تتردد هنا وهناك لأنها تُنبئ عن وجود خطر كبير ومشاكل من شأنها أن تهدم البنية الاجتماعية الأسرية منها:
- عدم وجود تلك الألفة والمحبة وروح الخدمة في نفوس تلك الأسر!.
- الشعور بالإهانة أو الضعة عند احتياج شيء وعدم تقبل المرأة أن تُقدم على طلبه من قبل ذويها، وهذا ينبئ عن وجود فواصل وتقاطعات كبيرة في علاقتها بهم، وهنا في غالب نشوء هكذا ردة فعل من المرأة لابد أن يسبقها فعل سلبي وخاطئ من الأهل أو الزوج، كأن يعطيها مع اشعارها أنه متفضل عليها أو يبدي شيء من المنية والإنزعاج!.
كذلك بالنسبة لطلب الزوجة من زوجها فمن حق الرجل أن لا يقبل كل ما تطلب وخاصة إذا كانت طلباتها لأمور كمالية وهو غير ميسور الحال، فهذا موجب لوجود حالة القناعة في نفس المرأة، لا أن تكون ردة فعلها هو ابداء الرغبة بالخروج للعمل والرغبة بالاستقلال المادي فقط وفقط.
فهذه الأسباب لا تنم عن شخص مسؤول فالمشكلات والضغوطات موجودة في كل مكان، بل هي ستكون بذلك مقصرة في الحالتين، في عدم صبرها على خدمة ونفع أهلها، والهروب إلى تفاقم المشكلات لأنها بخروجها لا تبحث عن حلول جوهرية وعملية بل تجعل المشكلات تتراكم وتدفن بالقلب وتسبب له أمراض الحقد والكراهية.
هذا بالإضافة إلى إنها بهكذا نفسية منهكة وقلب سقيم كيف يمكن لها أن تُبدع وتنجح وتقدم شيء جيد للمجتمع الخارجي؟!
فالعمل بمسؤولية يتطلب أن نحل المشكلات أولاً ونتحمل ما علينا من مهام منزلية ونؤديها برحابة صدر، لنؤدي مسؤوليات العمل خارج المنزل بشكل سليم.
وهناك من تقول: "أريد أن أبني ذاتي وأشعر بقيمة وجودي، فوجودي كأم أو ربة منزل أو زوجة لا يوصلني لتحقيق ذاتي!!".
وهنا توجد مغالطة كبيرة في مفهوم بناء الذات وتحقيقها، فالأمر ليس محصوراً بهذا الدور، وهو ليس معادلة رياضية يمكن أن نعبر عنها ب (خروجي للعمل خارج البيت= تحقيق الذات)،
إنما تحقيق الذات وبنائه يأتي من أمور عدة من أهمها؛ أولاً: إيمان المرأة بنفسها.
ثانياً: بأنها موجود مكرم عند خالقها.
ثالثاً: مقدار عطائها ونفعها وأثرها الطيب الذي تتركه في قلوب من حولها ومن تختلط بهم كباراً أو صغاراً كانوا وفي أي وقت.
رابعاً: بوضع الأهداف والسعي لتطوير نفسها وامكانياتها بكل وسيلة متاحة أمامها مع مراعاة الأولويات في حياتها.
هذه وغيرها من المرتكزات الحقيقية التي يمكن من خلالها أن تبني وتحقق لها ذاتها الانسانية، إذاً فالأمر ليس كما تتصور بعض النساء.
لذا كوني أستاذة فاضلة، مهندسة متقنة، طبيبة رؤوفة، معلمة مربية، صاحبة قلم وفكر واعية.
ولكن عندما تعتقدين إن تحقق ذاتك في ذلك حصراً، وإن كونك طبيبة لأبنائك، مهندسة ومديرة لبيتك، مربية لأبنائك، مصلحة راعية لأهل بيتك هذا لا يحقق لكِ شيء، ولا تعتبريه ذو قيمة، فاعلمي انك تعملين بجوارح راغبة لا مسؤولة.
لذا احرصي أن تراعي سلم الأولويات فهناك أدوار لا يؤديها سواكِ، ولا يمكن أن يعوضها أحد إذا لم تعطيها انتِ، فلا تهمليها، ولا تقدمي عليها شيء..
كوني مسؤولة وإعملي بإيمان ليصلح منكِ كل عمل رعاك الله تعالى..
اضافةتعليق
التعليقات