أكد مراقبون أن السنوات الثلاث الأخيرة شهدت تضخمًا مخيفًا في ظاهرة بالعراق وهي التسول التي باتت تضم شرائح وأعمار؛ بل وحتى جنسيات مختلفة تتخذ من كل شارع وسوق وحي سكني ومؤسسة حكومية مكانًا لممارسة عملها وبأساليب مختلفة، في وقت يؤكد مسؤول حكومي عدم وجود خطة للحد من الظاهرة ولا جهد حكومي أو حتى إحصائية تمهد للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة.
وتعتبر ظاهر التسول من الظواهر الخطيرة جدا لتدمير المجتمعات، حيث أن هذه ظاهرة تكون واضحة للعيان في المجتمعات المتخلفة والتي يطلق عليها المجتمعات النامية ولقد كشفت الكثير من الدراسات الميدانية أن الأطفال المتسولين وبعض النساء وكبار السن والمحتالين عندما يقومون باصطناع حالات مشابهة للمصابين بالعجز، ينشطون عبر عصابات تجار التسول والتي تتشارك وتتداخل ضمن سلسلة حلقات من الوسطاء لأغراض جنائية وسياسية واستخبارية، حيث يستوقف متسولون من مختلف الأجناس والفئات العمرية الناس ولكل منهم طريقته الخاصة في التسول والتي منها الدعاء وقراءة القرآن، وبعضهم يتخذ سرد قصة مؤثرة.
يُعرّف التسول على أنه؛ طلب مال، أو طعام، أو المبيت من عموم الناس باستجداء عطفهم وكرمهم إما بعاهات أو بسوء حال أو بالأطفال، بغض النظر عن صدق المتسولين أو كذبهم، وهي ظاهرة أوضح أشكالها تواجد المتسولين على جنبات الطرقات والأماكن العامة الأخرى. ويلجأ بعض المتسولين إلى عرض خدماتهم التي لا حاجة لها غالبا مثل مسح زجاج السيارة أثناء التوقف على الإشارات أو حمل أكياس إلى السيارة وغير ذلك.
"من مال الله يا محسنين"، "حسنة قليلة تدفع بلايا كثيرة" وغيرها من كلمات المستعملة يرددها المتسولون لاستدراج عطف وكرم الآخرين.
أسباب ظاهرة التسول
1. تعود بشكل أساسي للفقر وقلة الحال. إلا أن لنظرة المجتمع للتسول تختلف من بلد لبلد، ومن شخص إلى آخر.
2. ازدياد نسب البطالة لدى الشّباب.
3. ضعف التوكِّل على الله والثّقة برزقه؛ حيثُ ضمِن الله للكائنات جميعاً رزقها.
4. تفضيلُ بعضِ النّاس الراحة والكسل على العمل والنشاط، ممّا يدعوهم للتسوّل باعتبارها حِرفةً مُريحة ومُجدية.
5. تراجُع الدّور الاجتماعي بين النّاس في المُجتمع، وغيابُ الشّعور بالعدالة الاجتماعية.
6. . تشجيعُ بعضِ النّاس للمتسوّلين؛ إذ يغلبهم شعور الرأفة والعطف فيُعطون دون تردّد ظنّاً منهم أنّ ذلك تَطبيقٌ لقولِ الله تعالى: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ).
7. الظروف الاقتصادية القاسية فضلا عن التهجير القسوي والتفجيرات التي تحدث من حين إلى آخر وكثير من الأسباب التي يصعب حصرها في ظل الظروف التي يعيشها العراق.
علاج ظاهرة التسول
١. تقديم فرص عمل للمتسولين من خلال بعض الأعمال الحكومية أو الشركات الخاصة بحيث توفر لهم دخلًا ماليًا ثابتًا.
٢. جباية الزكاة من الأغنياء حيث أنها تقلل من الفقر والجوع المنتشر في البلدان الفقيرة.
٣. وضع قانون ينص على معاقبة المتسولين وأي شخص يقوم على تنظيم جماعات هدفها جمع المال بتلك الطريقة.
٤. نشر الوعي عن طريق الصحف والتلفاز لبيان ضرورة تقديم المساعدة للمتسولين.
٥. التشجيع على التعليم ودعم الراغبين فيه لأن التعليم يرفع من مستوى الفرد والمجتمع ويساهم في خلق جيل متعفف عن التسول بعلمه وعمله.
موقف القانون
وقد تناول أحد الأساتذة في القانون موقف القانون من التسول كالآتي:
ويبقى السبب الرئيس لزيادة التسول هو غياب المساءلة القانونية. وتهاون الجهات المختصة من سوق المتسولين إلى القضاء لردعهم عن هذا الفعل المهين لهذا الانسان الذي فقد طعم العيش بكرامة وشموخ، والذي خلقه الباري عز وجل بأحسن تقويم، وإن قانون العقوبات حريص على التعامل معه بإنصاف بالرغم من العقاب الرادع الوارد في المادة (390/1) حيث جاء فيها (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن شهر كل شخص أتم الثامنة عشرة من عمره وكان له مورد مشروع يتعيش منه أو كان يستطيع بعمله الحصول على هذا المورد وجد متسولا في الطريق العام أو في المحلات العامة أو دخل دون اذن منزلا أو محلا ملحقا به لغرض التسول وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاثة اشهر اذا تصنع المتسول الاصابة بجرح أو عاهة أو استعمل اية وسيلة اخرى من وسائل الخداع لكسب احسان الجمهور او كشف عن جرح او عاهة أو ألح في الاستجداء).
وعند التمعن في مضمون المادة نجد ان المشرع قد ميز بين ما اذا كان للمتسول موردا ماليا يتعيش منه من عدمه، يعني أن المشرع قد أنصف المتسول الذي ليس له دخل يتعيش منه وقد حصر العقوبة بالمتسول الذي له مورد مالي يمكنه أن يتعيش منه دون الحاجة إلى الاستجداء، وقد خصت هذه المادة المتسول الذي أتم الثامنة عشر من عمره أما بالنسبة للمتسول الذي لم يتم الثامنة عشرة من عمره فقد نصت الفقرة الثانية من المادة نفسها (إذا كان مرتكب هذه الأفعال لم يتم الثامنة عشرة من عمره تطبق بشأنه أحكام مسؤولية الاحداث في حالة ارتكاب مخالفة.
ويعني ذلك أن جريمة التسول حالها مثل الجرائم الأخرى إذا كان المتهم لم يتم الثامنة عشرة من عمره بتاريخ ارتكاب الجريمة يحال إلى محكمة الأحداث ليعامل معاملة الحدث.
وقد تعامل المشرع مع المتسول في المادة 391 بدوافع أكثر انسانية عندما أجاز للمحكمة بإيداع المتسول دار للتشغيل أو للعجزة حسب الأحوال حيث جاء فيها (يجوز للمحكمة بدلا من الحكم على المتسول بالعقوبة المنصوص عليها في المادة السابقة أن تأمر بإيداعه مدة لا تزيد على سنة دارا للتشغيل إن كان قادرا على العمل أو بإيداعه ملجأ أو دارا للعجزة أو مؤسسة خيرية معترفا لها إذا كان عاجزا عن العمل ولا مال لديه يقتات منه، متى كان التحاقه بالمحل الملائم له ممكنا.
نستدل من كل ما تقدم أن التسول فعل يشكل جريمة بنظر القانون، إلا أن ارتباط هذه الجريمة بدوافع انسانية قد يكون مصدرها الحاجة والعوز كان لابد ان تكون العقوبة الخاصة بها وقائية واصلاحية اكثر مما هي رادعة بالنسبة للإنسان المضطر للتسول ورادعه بالنسبة للشخص الذي اتخذ التسول مهنة وتصنع في خداع المحسنين، وحسنا فعل المشرع ليكون هذا الردع عاملا في اجتثاث هذا المرض من الجسد العراقي.
الشريعة الإسلامية شريعة شاملة، ولم تغفل عن معالجة أي قضية من قضايا المجتمع المسلم، ومن بينها ظاهرة التسول وسؤال الناس، فقد وضع النبي عليه الصلاة والسلام منهجاً واضحاً يقضي على هذه الظاهرة حينما حث على طلب الرزق بالسعي والكد والعمل بعيداً عن التعطل والتواكل على الغير وقد أكد الرسول صلى الله عليه واله وسلم في الحديث الشريف: ((ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور تجري بالمقادير)) وأيضا يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((لا يحل لمؤمن أن يذل نفسه)).
اضافةتعليق
التعليقات