لم يكتف المجتمع الذكوري بترك مسؤولية التربية والاهتمام بالمنزل على عاتق المرأة فقط، حتى جاءت الرأسمالية لتفرض اضطهاداَ جديد عليها، فأنجرفت بعيدا عن مهامها الأساسية، داخل المنزل، لتكون فردا عاملا وموردا اقتصاديا اساسيا لتلبية احتياجات العائلة.
وهو ما أثر سلبا على نفسيتها التي تنعكس بدورها على علاقاتها الأسرية، إذ كشفت دراسة حديثة نشرتها الكلية الأوروبية لعلوم أدوية الأمراض العصبية النفسية أن الاكتئاب بين النساء في العالم، قد تضاعف خلال السنوات الأربعين الماضية بسبب العبئ الناتج عن محاولة إيجاد توازن بين الأسرة والمنزل وضغط العمل ومسؤولياته.
الرأسمالية
المبدأ الرأسمالي هو النظام الاقتصادي الذي يشجع على تحقيق الثراء الفاحش السريع، بأي طريقة كانت، استغلال الضعفاء والمحتاجين وحتى الطاقات البديلة، وهم غالباً من النساء، فجعلهم صفر من اصفار ثروته الهائلة التي يروم تحقيقها، فإن وجود الرجل في المجال الاقتصادي لايكفي، فلابد أن تنخرط المرأة في دوامة المنظومة الاقتصادية الرأسمالية لتؤسس بيئة عائلة مستقرة ماديا.
وكشفت دراسة حديثة نشرت نتائجها الأمم المتحدة، عن إحصاءات مخيفة للحرب النفسية ضد النساء، مشيرة إلى مقتل 2746 امرأة في المكسيك عام 2017، بسبب ضغط العمل والتفكك الأسري، بمعدل 7 قتيلات يوميا ويعكس هذا الرقم زيادة بنسبة 18 بالمئة مقارنة مع سنة 2016، التي شهدت 2324 جريمة قتل لنساء حسب وكالة سكاي نيوز عربية.
ففي ظل العولمة الرأسمالية المسيطرة على الغرب، المرأة هناك ليست سعيدة ولا قوية، ويكفي أن تبحث عن إحصائيات عن أعداد حوادث انتحار الغربيات سنوياً لتفهم مدى تعاستها وعدم رضاها عن أوضاعها، ولم تُسجل مثل هذه الإحصائيات المرعبة إلا في زمن هيمنة المبدأ الرأسمالي على العالم.
إلا أن التسويق الاعلامي لقضية التحرر اللامبرر الذي تعيشه الغربيات شكل هذه الصورة النمطية لدى العربيات بأن الأولى حققت ذاتها بذلك التحرر.
بين الأمومة والعمل
ما إن بانت ملامح الانفصال بين الدين وأمور الحياة وطبقت القوانين الغربية في مجتمعاتنا العربية، حتى بدأت المنظومة الأسرية بالتفكك، وبدأت الامومة تلفظ أنفاسها الأخيرة على أعتاب الشركات والمؤسسات التي جعلت من المرأة أداة لتحريك عجلة الاقتصاد، تقول الناشطة المدنية الاردنية غادة محمد حمدي "من خلال نشاطي المدني وجولاتي في الدول العربية والاجنبية، وجدت مئات الاف من النساء الغربيات اعتنقن الاسلام، ليخرجن من ذل الرأسمالية وامتهان كرامتهن إلى حلاوة الإيمان والعفاف والطهر، لينبذن أسلوب الحياة العلمانية المنحطة ويرتقين بأخلاقهن ويضمنّ حقوقهن وفقاً للضوابط والأحكام الشرعية".
وتبين حمدي "إن الإسلام فتح باب العمل أمام المرأة لكنه ليس مصدرا اساسيا كما أسست له الرأسمالية المقيتة، التي قتلت الأنوثة، والأمومة، لتحول المرأة إلى ماكنة لصناعة المال، وجرتها بعيدا عن ذلك الشعور الانساني بدورها كجزء مهم في المنظومة الاجتماعية، التي تبني الأجيال أخلاقيا وسلوكيا".
وتتابع "إن النظام الرأسمالي الاقتصادي مكن المرأة وفق استراتيجية البدائل ذات الافضلية بالانتاج والتي تحقق مكاسب مادية اكبر، فاستخدمها بالدعاية والاعلان والتسويق، اضافة الى ان ترجمة مبدأ التحرر والتمكين يساوي امرأة تعمل لسبع او ثمان ساعات خارج البيت، جعلها في ضياع نفسي من ذاتها، بسبب ضيق الوقت لتلبية الاهتمامات الشخصية والعائلية، وهو ما تنعكس نتائجه السلبية على ضعف الترابط الاسري، وغياب النظام الاجتماعي المتماسك الذي يبني بالتالي دولة وامة ذات اسس تربوية متينة".
القمع النفسي
وجهة نظر الشخص عن الحياة والإنسان والكون هي التي ترفعه وتنهض به نهضة فكرية أو تخفضه وتجعل منه إنسانا منحطا، ويكفي المسلمات فخراً أن الله تعالى قد ضمن لهن حقوقهن وحدد لهن واجباتهن بما يرضيهن، وأن النبي الاكرم محمدا "صلى الله عليه واله وسلم" أوصى بهن خيرا.
إلا أن الأيدولوجيات المسمومة التي غيرت نمط الحياة جعلتهن كسلعة رخيصة بحجة المساواة بالحقوق والواجبات مع الرجل، بهذا الصدد علقت الخبيرة في النظم الاقتصادية من المركز العربي لمناهضة العنف ضد المرأة نسرين المولى قائلة: "يعد النظام الرأسمالي الغربي أن تحقيق أكبر كم من المنافع الاقتصادية هو من أسمى اهدافه، وقد تعامل مع الراحة البدنية والنفسية للمرأة باعتبارها شيئاً ثانويا تماما، ضاع وسط اهتمامه المحموم بالمكاسب المادية".
وتضيف "في ظل الرأسمالية فإن الأمر خرج من "حق المرأة" في العمل إلى استعبادها للمادة بحيث تعمل ساعات طويلة بغض النظر عن الضغط الناتج عن ذلك أو الضرر الذي سيلحق بالأطفال وتماسك الأسرة بحيث أصبح ارتباطها بالعمل والمادة أكثر وثوقا من ارتباطها بالبيت، كما أن شعورها بالذنب لقلة الوقت الذي تقضيه في العناية بأطفالها، مكننا من وصف هذا الوضع بالقمع الإجتماعي النفسي والعاطفي".
عمل المرأة رسالة
وتؤكد المولى "إن الإسلام لا يعتبر دور المعيل أكثر أهمية من دور ربة البيت، بل يكون الدوران متوازنين متكاملين بما فيه خير الأسرة والمجتمع، فهو يرفض النظر إلى نجاح المرأة على أساس أنها امرأة عاملة، بل يمنحها بدلا منها منزلة عظيمة كأم أو أخت أو ابنة، وبالتالي فإن ربات البيوت اللواتي لا يخرجن للعمل لا يشعرن بنقص بل هن في منزلة عالية ولهن دورهن الفعال في تربية وتنشئة أطفالهن ليصبحوا مواطنين صالحين يستقيم بهم المجتمع، فهذا هو النظام الإسلامي الذي يحرر المرأة حقا من أغلال الرأسمالية".
إلا انها أشارت الى نقطة جوهرية مهمة وهي "ان الدين الحنيف ضمن للمرأة حق التعلم، وحق العمل، وحق السفر، والحقوق الأخرى كافة، إلا انه نظمها وفق الاولويات والقدرات الجسدية والنفسية لها، لأن احد اسباب تطور الامم هي المرأة المتعلمة وليس المرأة العاملة، وعليه فأن عمل المرأة في سلك التعليم هو ظاهريا عمل ذو وارد اقتصادي.
إلا انه في الحقيقة هي تؤدي رسالة عظمى وهي تربية الأجيال وتهيئتهم ليكونوا أفرادا فعالين داخل المجتمع، ولا ضير إذا كانت المرأة تعمل إلى جانب تأدية مهامها العائلية، إلا انه ليس بالطريقة التي يفرضها النظام الرأسمالي بمساواتها بالأوقات والأجور مع الرجل الذي جعله الله ذو طاقة بدنية عالية مهيئة للعمل لساعات طويلة وبجهد إضافي أضعاف قدرة المرأة".
المواثيق الدولية
وكان التركيز على دور العائلة في عملية التنمية ملحوظاً تماماً في كلّ الاجتماعات والمؤتمرات الدولية حديثا، إلاّ أن الملاحظ في مختلف الوثائق المقترحة أنها نُظّمت تنظيماً يُبعدها عن المسيرة المتوازنة، وينسيها دور الدين في الحياة، ويتغافل عن أثر العناصر المعنوية في هذا الصدد.
ولفتت نسرين المولى إلى أنه "يجب أن لا ننسى التحديات التي تواجهنا على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، تحدّيات العولمة، وتحديات الهيمنة الثقافية، وتحديات القرية الصغيرة إعلامياً، وتحديات الشعارات البراقة التي يتستّر خلفها أعداء العلاقات الإنسانية السليمة، وصولاً حتى إلى قوانيننا الفرعية لتطويرها وفق مقاصدهم.
ويجب الاستمرار بالتاكيد أن الكيان العائلي يشكّل حجر الزاوية في البناء الاجتماعي، وأنّ أي تحرّك يوهن في استحكامه أو يطرح بديلاً عنه يشكل ضربةً للمسيرة الإنسانية الأصيلة، لكنّ هذا لا يعني مطلقاً أن لا نلجأ إلى تنظيم هذا الكيان بالأساليب المشروعة فذلك جزء من تحكيمه وتوجيهه.
إنّ للمرأة دورا أساسيا في صياغة البناء الاجتماعي والسياسي، ويجب بكلّ تأكيد أن تلعب دورها بكلّ ثقة ودونما أي حطّ لكرامتها أو امتهان لقدراتها الإنسانية".
وطالبت المولى المنظمات الدولية بأقرار قانون يلزم المؤسسات بالتخفيف عن كاهل المرأة العاملة، لأن بتقليص ساعات عملها ومنحها امتيازات التي ترفع من قدرها، كون أغلبهن أصبح مجبرا على العمل بعد الحروب والأزمات الاقتصادية التي تمر بها البلدان، وحسب التقارير الرسمية من المنظمات العالمية فإن إرتفاع عدد الارامل في المجتمعات العربية يشكل ظاهرة خطيرة لاستعباد المرأة لكونها تبحث عن لقمة العيش لعائلة اصبحت هي المعيل الرئيس لها، بالتالي ستعطي أكثر من طاقتها باضعاف وهو أقسى أنواع العنف الجسدي المسبب له هو الحاجة المادية ما يجعله على خط موازي مع العنف النفسي، وإن ذلك سينعكس على عطائها الشخصي والمجتمعي".
اضافةتعليق
التعليقات