الأيام تمزق خطواتها والشيب بدأ بملئ رأسها حائرة على اي مرسى سترسو، نظرت للمرآة بتمعن ثم دوى صوت الزجاج يحتضن الارض ويعدد صورها بكل قطعة مترامية كحلقات سلسلة القيد، كانت رؤيتها لصورتها التي قضى عليها الزمن قد نحرت بوجه مرآة، وبراكين هزت داخلها فضمت قدميها الى بعض وتنفست الضعف مجددا وباتت الكلمات تتشارد في رأسها كلمات الناس المتتالية (كبيرة، هذا عيب، انت فتاة، حتما لن تقاومي في هذا المجتمع) والكثير الكثير من الكلمات اللاتي تكسر الاجنحة وتجعل فتاة اليوم مهشمة كطير ضعيف الجناح وقع على عش صقر ظنا منه أنه آمن فشمس المجتمع الحارقة احاطته لكنه وجد صنفه اشد قساوة عليه من الخارج..
رفعت رأسها نحو السقف وتقمصت دور الاب ووقفت امامها شخصية على هيئتها منكسرة وجناحيها متدليان لايستطيعان رفع انفسهما فنطقت بتردد والخوف احتل داخلها حتى من الكلمات (ابنتي العزيزة انت ابنت ابيك اخرجي فالعالم ينتظرك كوني على قدر المسؤولية لاتخشي عقبات واهية وضعها الجاهلون فأنا سندك وجبل يقف بظهرك لاتهمك كلماتهم المحطمة فانت اقوى من هذا واتركي قول الناس للناس فحتما في كلا الحالتين سيتكلمون فهم لايملكون سوى الالسن)..
ثم أبصرت الشبح الذي امامها استفاق جناحيه شيئا فشيء وبدأ بالارتجاف، عدلت رأسها تنفست القوة وعادت من جديد ترفع صوتها وتشجعه على الطيران حتى طار وكسر نافذة الخوف واعتلت الابتسامة شفتيها ثم اختفى البياض وعاد السواد للجدران. ادركت انه كان تنفيسا داخلها كالقدور المغلية تفور وتفور وعينها على راعيها متى يحملها ويطمئنها انه خلفها فلا تخاف التبخر كثيرا او الاحتراق لكن راعيها تركها تغلي واحتجزها في الافران بحجة الخوف من الخارج فاحترقت وتتالت عليها النبال حتى وهي بين تلك الجدران ولم يبقَ في الجسد المتهالك شيء إلا وقضت عليه حبال اليأس وتسلل خوف الكلمة الى داخلها..
كانت بحاجة الى كلمة واحدة وراع اصيل يدربها على الوقوف المستقيم فاليوم موجود لكن غدا من لها ان قست الايام واجتمعت الذئاب إن كان الكفيل لايحمل امان الاب ولايرسم حياة الامس.
الحياة حق مكفول للجميع ومتاح للفتاة كما الذكر فالتمييز الذي يحصل في اغلب المجتمعات اليوم من كسر جناحي الفتاة ووضع القيود وتحطيمها هو من أهم الاسباب لتكوين مجتمع جاهل فيما بعد فحتما ان الثقافة تبدأ من قلب الاسرة والقلب هي الام فكيف بنا نبحث عن مجتمع مثقف وواع ونحن نقتل قلبه قبل ان يصل ويرفع شمس الوعي ويربي جيلا عادلا لايوقف الفتيات عن دراسة او ثقافة او عمل محترم بحجة كلام الناس او بحجج اخترعوها انفسهم ولم توجد لا في تشريع ولا في قانون!.
واليوم ومع الاسف نرى معظم الرجال في مجتمعنا مع حرية المرأة مادامت ليست فردا من عائلتهم فتجدها قد كبلت بقيود وامتدت لتقف عائقا امام حياتها وما يزيد الموقف سوءا هو تصرف بعض النساء من يقتلن النساء انفسهن لذلك نرى المجتمع الذكوري امتدت جناحيه حتى طغى، لااعلم لماذا وما الاسباب التي تدفعهن لهكذا افعال لكن الحقيقة لاتختبئ فهي كالشمس ساطعة وعلى الجميع ان يعترف بها فحيث ذكرها عز وجل في كتابه: {اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} النساء(1).
هذه السورة التي اشاح البعض افكارهم عنها والقسم الاخر لم يكن يحفظ من القرآن الا ماينتفع منه ويأولها على أن يجعله متسلطا على القوارير متناسيا هذه الايات التي انزلها عز وجل وسميت هذه السورة بسورة النساء والعنوان وحده كاف ليحفزنا للتفكير بقضايا المرأة التي كانت اخر هم مجتمعنا فترتقي فيها مكانة المرأة، وقد افتتحت بذكر النساء وبعض الاحكام المتعلقة بهن التي جعلها على رأس الناس الذين ربط انصافهم بالتقوى فحتما سيسأل الله تعالى يوم الحساب عباده عن تهميشهم لها.
واليوم انا لا أثور على الرجال الذين يدعون ان المرأة تتحرك بحرية منتزعة جميع حقوقها رغم انها ماتزال خاملة بل ثورتي على المرأة التي لم تدرك بعد ان الحقوق تنتزع انتزاعا ولاتعطى وهي جالسة ضعيفة تخشى كلمات الجهلاء فلو انها تحمل القرآن كما يحمله الرجل وتبحث فيه كما يبحث هو فيه لما كان هنالك مجال لرأي كهذا لأن يتسرب لعقولنا ويمسخ حياتنا ويجعلنا نسيا وراء جدران من كلام لافائدة منه لايطعم ولايثقف ولايترك العدل يأخذ مجراه.
فلو نظرنا في تاريخنا لوجدنا مكانة المرأة الحقيقية وكيف كانت تبرز في كل مجال واثقة ثابتة منتزعة حقوقها في القيم والاخلاق بعيدا عن النماذج التي يتخذها البعض لذم تاريخ القوة لدى النساء وتغطية لحقوقها بوصف بعض الشخصيات السيئة وتعميمها على الجميع رغم انه يعلم ان من ابرز من قمن بالثورة ورفعن صوت الحق هن من نساء دينه لكنهم امتدت ايديهم لتجلد قبل ان تمتد لترضي الله وتستوصي بهن خيرا كما اوصى رسول الله (صلى الله عليه واله) فقيدوا معاصمهن التي ربت جيلا ولم يتوفقوا عند هذا الحد بل امتدت ايديهم لقتل البرائة زورا وغدا حتما ستتجرأ لدفنها..
اضافةتعليق
التعليقات