بدأت المرأة مؤخرا، اقتحام مجالات عمل ظلت لعقود حكرًا على الرجال، وامتهنت النساء بعض الأعمال الشاقة التي تتطلب مجهودًا بدنيًا، لكن حتى الآن يبدو المشهد غريبًا في الشارع رؤية سيدة تعمل كسائق تاكسي، أو تدير ورشة نجارة، وغيرها من المهن التي لم يعرف تاريخيًا عمل المرأة بها.
وتبلغ نسبة المرأة في قوة العمل، حسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، 22.9%، بينما تبلغ نسبة الإناث اللاتي يعملن عملًا دائمًا 85.4%، ونسبة المشاركات في التـأمينات الاجتماعية82.3%، ونسبة رؤساء الأسر من الإناث 18.4% وتتنوع أسباب عمل المرأة في تلك المهن، نظرًا إلى سوء الأوضاع الاقتصادية بصفة عامة، ومنها عدم وجود عائل رجل، أو كون المرأة معيلة لأطفالها أووالديها، أو مساعدة الزوج.
تقدم غالبية النساء على العمل بالمهن التي يراها البعض شاذة وغريبة بحثا عن لقمة العيش، في ظل ارتفاع معدل النساء العربيات المعيلات لأسرهن، ولم تشفع لهن الظروف الحياتية القاسية، ولم يرحمهن المجتمع، بل على العكس، اختار أن يلقي على كاهلهن أعباء أكبر من عناء العمل وحده، فوضعهن في تصنيف اجتماعي متدنٍّ، إلا أن النساء بدورهن، وتحت سياط العوز، وارتفاع معدلات الفقر والطلاق والتفكك الأسري، لا يكترثن أحيانا، ويصمّمن على الاستمرار في غياب البديل.
مهن شعبية
من هذه المجالات غير التقليدية، أن تعمل المرأة مثلا، مكوجية تقوم بكيّ الملابس مقابل أجرة معينة، أو سَبّاكة تصلح أنابيب الصرف الصحي في المنازل وغيرها من الأعمال التي اعتدنا أن نراها للرجال انسب.
كذلك بات من المألوف في مصر، أن ترى نساء يقُدن التوك توك، أو سيارات الأجرة، وأخريات يحملن الساطور للعمل بالجزارة، أو أن تعمل المرأة "قهوجية" في المقاهي الشعبيّة، فتقدم الشاي والقهوة للزبائن وهناك نساء أخريات يعملن في تنظيف بالوعات الصرف الصحي، أو في إصلاح السيارات أو صيّادة تبحر لتصطاد السمك ثم تبيعه، وغيرها من الأعمال والمهن البسيطة التي ظلت دائما حكرا على الرجال.
إن الصورة السيئة لهذه المهن لدى فئات من المجتمع تراها شاذة بدأت في التغير الجذري نحو الأفضل، وبات الكثيرون يعترفون بقدرة المرأة على العمل في كافة المجالات، دون مضايقتها بإطلاق الصفات القاسية عليها.
والمتأمل المحايد للتغيرات التي تشهدها المجتمعات العربية اليوم، يدرك أن المرأة ماضية في طريقها نحو القضاء على ما يسمّى بالمهن سيئة السمعة، أو المهن الخاصة بالرجال لتثبت أن زمن تقسيم المهن حسب الجنس، تجاوزه العصر، وأصبح مرادفا للتخلف.
اجل لا يوجد أي قانون يقف ضد عمل المرأة وهذا أمر جميل ورائع، لكن أن يوافق لها القادة والمسؤولين وولاة الأمور والمجتمع ككل بالمهن المهينة المؤذية بل نجد الأغلبية راضية عن هذه المهن مادامت مطمئنة على الراتب والمردود والدخل والمساهمة في اقتصاد البلد والتكفل بالواجبات دون الاهتمام بل في غفلة عن الأذى عدو الحياة الإنسانية والتي لا زالت ترزح تحت هجماته القاتلة حتى الآن.
الجنس الناعم لا حاملة أثقال وأوزار
إن لغة الواقع تشير إلى أن المرأة العربية غزت جميع المهن مهما صعبت لكن بعضها ما فتئت تمتص معنوية هذا الكائن الحساس وتقضي على كيان عماده، وها نحن نشاهد أوضاعها تتجه من سيء إلى أسوأ ومعاناتها تتفاقم كل لحظة ومدى انعكاسها على حياتها وصحتها ومستقبلها لأن فجوة الفرق كبيرة التي كشفتها نتائج تلك المهن المهينة التي لا تنسجم مع طبيعتها الفسيولوجية والسيكولوجية رغم حضورها الدائم واللافت والسمة التي تمتاز بها في التضحية والعطاء والإنتاج لأنها حين تصوب على الهدف يعني ذلك أنها عزمت على بلوغه مهما كلفها ذلك، مما جعل الأبواب الموصدة تفتح أمامها في شتى الميادين والمهن دون مراعاة ظروفها ولا من يحمل همها ويسأل ويتساءل لماذا حققت المرأة العربية كل هذا التفوق والنجاح وهي صابرة مثابرة حتى يؤول بها الحال لتأكل لقمة عيش مريرة ممزوجة بالدموع والألم من اجل إعالة أطفالها وتمكينهم من سبل العيش البسيطة وهاهي لازالت تواجه تيارات الحياة الجارفة من اجل ضمان الحياة واستمرارها بنفس الوسائل النافعة والشريفة مثل ما يضمنها أخوها الرجل ولو كانت قاسية ومهينة.
أن البلدان العربية والإسلامية تعيش في الوقت الراهن مأساة شاملة إذ تمر بمراحل جد صعبة وأمامها تحديات جسام اثر الحروب المتعاقبة، والصراعات المسلحة والظواهر الطبيعية والمؤامرات الخارجية والداخلية وما يعقبها من نهب للثروات وتبديدها مما دمر الأوطان والآمال ونخر أساس المجتمعات ونشر ونثر المزيد من البؤس والظلم والعذاب فتضرر الاقتصاد والقانون والثقافة والأخلاق والقيم والطموح، نجد جل القطاعات الحيوية مهمشة بالجملة وأصابها الشلل ولدت معها جماهير مهزومة تحت سقف القفر والعوز والحرمان.
إضافة إلى كل ما سبق ذكره تأتي حقبة الألفية الثالثة بأوزارها الهائلة التي أطلقت عنان حمولتها على كاهل المرأة كالعديد من الصعاب والتحديات، إلا أنها دائما تتطلع للتغيير بأمل لأنها لا تملك إلا إياه، ولأنها تطمح أن ترجع الأمور إلى نصابها الطبيعي يوما ما بينما هي بين ظالم متملق لها ومعتد على حقوقها، تأمل أن تتحرر الأوطان من رقة الاحتلال واختلال قواعدها وتعود الأمة العربية كما كانت عليه من قبل محررة أراضيها وشعوبها من التبعية والاستغلال والخوف والاستبداد الذي سلط عليها، آنذاك تكتمل الوحدة أرضا وشعبا وحقوقا.
حتى الثقافة العربية لا تقبل دخول المرأة العربية مضمار المهن الصعبة التي لا تناسب طبيعتها، وقوانين الشريعة الإسلامية وضعت من اجل حمايتها وصونها ولو أن بعض الجهات يرون في عملها الشاق نقط أكثر ايجابية ما دامت تدر دخلا تساهم به في الالتزامات والمسؤوليات ومن هنا ندرك أبعاد القضية دون تسييس للموضوع أو اتخاذ بعض الذرائع كحجج لأن المرأة أينما وصلت فطبيعة تكوينها من الجنس الناعم لا حاملة أثقال وأوزار.
فمن الأسى والعار السكوت عن أوضاع المرأة العربية وظروفها ونعرضها للمزيد من الخطر والإهانة ونحملها ما لا طاقة لها به نيابة عن المعيل وولاة الأمور والدولة نفسها.
اضافةتعليق
التعليقات