عندما تدافع عن قضية ذاتية على حساب مبدأ، حين تتحيّز بلاعقلانية لجماعة دون أخرى، وتُعجب بشخصية وتتجاهل سلّم القيم، وترى وطنك أجمل الأوطان وأفضلها ولاتتقبّل أي نقد موّجه له أو لشعبك، وتتعصّب لرأي وترفض الاخر لأنه فقط يختلف عن قناعاتك، واخيراً عندما تعتقد بأنّ الذكر يعلو ويتفوق على الانثى أو العكس، فأنت ومع بالغ الأسف "شوفيني" بإمتياز!.
يُنسب هذا اللفظ إلى جندي فرنسي أسطوري إسمه (نيكولا شوفان)، شديد الغيرة على فرنسا ومتفاني في القتال في جيش نابليون في حروبه دون التفات أو شك أو مساءلة لجدارة قضيته، فقُصد بها الإشارة إلى التفاني الأعمى للجندي المتحمس والمتزمّت برأيه بقضية..
وقد أضحى لهذا المصطلح في الوقت الحاضر دلالات عديدة أهمّها شوفينية التمييز على أساس الجنس فتُشار الى عنجهية جنس دون اخر..
في هذا النوع من الانحياز المفرط هناك خيط يقع بين الحكم السليم المنطقي والتعصّب الأعمى لأي موضوع أو ظاهرة ألا وهو أهمية (الفصل)..
ولكن كيف نفصل وكيف نعرف الامتيازات الحقيقية بين رجل وامرأة؟!
علينا أن نعرف أن الابداع مثلاً هو أن ترى بعين جديدة ولايهم هذه العين في أي رأسٍ تقع، فالخنساء حضرت يوماً سوق عكاظ وأنشدت النابغة الذبياني شعراً، فقضى أنها أشعر العرب، ولم يكن بين المتبارين امرأة سواها! فهنا النابغة قد وقف في صف الابداع والجدارة الشعرية لا في صف الرجال أو النساء!.
وكذلك فعل شاعر العرب الكبير الجواهري، الذي يقول: عندما قرأتُ لغادة السمان دُهشت وافتخرت بنفسي، فهنا الجواهري يرفض أن يفصل الأدب الى نوعين: رجالي ونسائي، فهو يفتخر بنفسه كونه من صنف الابداع الذي تنتمي إليه بلاشك هذه الكاتبة..
هذا في الأدب، وقد يقول قائل أنّ في هذه المجالات الفنيّة تذوب بالفعل الفواصل بين الجنسين، والدليل وجود المنافسة الشريفة في مجالات الشعر والكتابة ووجود أسماء لامعة لنساء ويتقبّل الرجل بل يُسعد بقراءة منتوجاتهنّ..
أمّا في العلم والدين لانكاد نرى أسماءاً نسوية تلمع في سماء هذين الصنفين، فهل هي شوفينية أم هناك قصور بقابيلة المرأة هنا وذلك لأنها تنجح في الفن لعاطفيتها وفيض مشاعرها فيظهر الابداع أما في مجال العلوم الاخرى فعقلها قاصر في مواكبة الرجل والدليل أغلب علماء الطب والطبيعة والفقه والفلسفة والعقائد المشهورين من الرجال، أليس كذلك؟!
لا ليس كذلك عزيزي القارئ، فالعلم يؤكّد أنّ الرجل والمرأة لهما ذات القدرات العقلية، وكذلك التشريعات السماوية لم تميّز بين فروضها بين الجنسين إلا في بعض الامور التي ليس لها علاقة بطبيعة الحال بعقلية المرأة بل لخصائص اخرى.
هي للأسف شوفينية تاريخ وآباء ومجتمع وإعلام وعادات وتقاليد..
التاريخ ظلم المرأة ومدّوني صفحاته الذين كانوا يكتبون مايمليه عليهم سلاطين الجور أخفوا انجازاتها ولفّقوا الاكاذيب عليها، بدايةً من أنها سبب خروج أبونا آدم من الجنّة إلى حروب طروادة التي قالوا أنّ سببها امرأة!.
وكذلك الآباء والمجتمع _الشرقي خصوصا_ هم بشكل عام يفسحون المجال للرجل فيطوّر من نفسه وتسمح العادت والتقاليد أن يُسلط الضوء عليه دون الفتاة فمن الطبيعي أن ينجح ويتفوق، فالمرأة إن أرادت التميّز عليها أن تجاهد وتحارب وتكافح أضعاف مايقوم به الرجل، على العكس في دول الغرب التي تفسح الطريق لها الى حدٍ ما!.
وتبقى مصائب الاعلام الذي كل جل همّه أن يصوّر المرأة ككائن دعائي لايهتم إلا بتوافه الأمور، فتترسخ هذا الأفكار في عقول فتياتنا ويتعاملن وفق هذه الصورة.
وتبقى بعض النماذج الناجحة من النساء التي لابد أنها لقت تشجيعاً ودعماً من أب أو زوج أو عائلة أو مجتمع.
فيُنقل أنه أثناء محادثة لطيفة بين الشهيد باقر الصدر وأخته بنت الهدى أخبرته أنها تغبطه على فهمه لبعض المسائل الصعبة فيرد عليها أنه هو من يغبطها لقلمها الأدبي الرفيع الذي يصل الى قلوب الناس أسرع!.
وقبل زهاء ثمانية قرون كانت (فاطمة) تعيش في جبل عامل بلبنان. هي بنت الشهيد الأول صاحب كتاب (اللمعة الدمشقية) الذي قتل في سبيل الله ومن أجل الدفاع عن الإسلام والحق وأهل البيت (عليهم السلام). وقد درست علوم أهل البيت عند أبيها وعند آخرين. فأصبحت عالمة حتى لقبّت ب(ست المشايخ) ويعني سيدة العلماء.
وقد ذكروا في تاريخها أن العديد من العلماء كانوا إذا اختلفوا في الاستدلال على مسألة شرعية اجتهادية ما، كان لها القول الفصل في حلّ الاختلاف.
وكذلك يروى أن موسوعة بحار الانوار لمؤلفها المجلسي كان لأخته فضل كبير في تدوينها!.
والشهيدة درّة الصدف قاتلت بالسيف واستشهدت في سبيل الله وحباً للحسين وأهل بيته، وذلك بعد أن رأت سكوت الرجال ونهضت بعد أن أخذت الضوء الاخضر من أبيها.
وهذه المعلومات التاريخية لايعرفها للأسف الكثير..
وفي المجال العلمي ايضا، فماري كوري وقف الى جانبها زوجها فنجحت، وهناك في الغرب نماذج مشرقة لعالمات في مجالات مختلفة..
هذا في الايجاب أما في السلب، لاتسلَم المرأة أيضا، فتأتي المقولة أنّ الرجل عندما يخطئ فقد أخطأ بشخصه، أما عندما تخطئ المرأة فقد أخطأت كل النساء!.
وهناك من يكون شوفينيا ولكن للجنس الاخر، وذلك نراه عند وقوف الرجل بصف المرأة، فالشاعر ابن ابي ربيعة قد أرسله يوماً عبد الملك بن مروان ليمدحه، فقال له: عمرو لايمدح إلا النساء!.
والكثير من الأدب النسائي العالمي كتبه رجال، فنزار قباني يُعرف بشاعر المرأة، وأغلب الروايات العالمية التي أبطالها نساء، لسان حالهنّ الدقيق يصفه وببراعة، رجل!، وهذا جيد وجميل.
ولكن في الجهة المقابلة، بعض النساء في مجتمعنا تملك انحيازاً غريباً، فلضعف ثقتهن بنفسهن أو لشعورهنّ بالدونية تقف بصف الرجل فلاتذهب إلا لطبيب ولاتفضّل إلا المعلم ولاتقرأ إلا لشاعر ولاتمدح إلاّ الناجح، من غير السؤال عن الجدارة فعلاً!. فياليتها تكن شوفينية قليلاً وبحق لبنات جنسها، فتفخر بانجازاتهنّ وتسعد بنجاحهنّ فيكفيهن تعصّب الكثير ضدها!
اضافةتعليق
التعليقات