خطواتها المثقلة ترمي بها غضبها وتصبه على كرويتها، تسير الى باطنها لتتفقد اطفالها، تتأكد من نومهم، تمسح رؤوسَهم، تطبع على جبينهم قبلات الحنان، تحتضنهم بدفئ، تذرف دموعها على ندبهم، تنتحب لما حصل لهم، تمسح دموعها، ترفع رأسها لترى ذلك الذي ضمن لها احتوائهم، تنظر اليه بعتب، تنظر الى اطفالها يستيقظون الواحد تلو الآخر.
جلسوا ينظرون اليه هذا عراقهم!، يتوجه اليه احدهم بقدم واحدة قدمه الاخرى دمائها لازالت تجري، يمد يده اليه يعاتبه بصوت طفولي متعب: (اين قدمي؟ اعدها لي).
يقوم الاخر وعليه ندوب الانقاض يتوجه اليه يحمل بيده اليد الاخرى يساله بأنين: ايها الوطن العزيز اعد لي زهو عمري .
يظهر صبي من وراء الظلام يحمل بيده كأس مثلجاتٍ مكسور النصف، خليط الوانه يترجم تلك الواقعة مد له ذلك الكأس ناظرا اليه صاح بعنف املأ لي كأسي اريد مثلجاته..
ينطفئ الضوء يظل العراق حائرا أيبكي الآمهم أم يبكي خيبته، أيصبرهم على مصابهم ام يعزي نفسه لانه لم يحفظهم، يظهر من الخفاء طفلٌ مزرورق الجلد الضوء ملئ وجهه تأمله بعمق ثم شكى له لونه (هَرّبوني منك لأنجو لكن لعنات أرضك لحقتني الى هناك وها أنا اضاف الى اخواني).
جاء طفل ممزق الاثواب احتضن ذلك الصغير، نظر للعراق نظرة تعاطف ثم قبل الطفل الذي بين يديه وراح ينظر في الفراغ بعيدا عن وطنه يتامل الظلام، ذلك الديجور يذكره بأساه بفقره بعوزه بموته.
وهو خالي الاحشاء لم يجد مايتدفئ به لم يجد مايأكله فنزل الى أرض ربه بسلام، نظر الى ارضه خاطبه: دفئك ذاك لم يشملني ايها الاب العزيز فنزلت الى رحم امي الارض استجدي منها دفئا، اذهب الى من تدفئهم لا حاجة لنا بك).
هوى العراق على قدميه وهو يبكي، انتفض احد الاطفال مناشدا: (أوتبكي بعدما ابكيتنا دماءا أتبكي بعدما أريتني امي ذبيحة على يد اشراك وفوق ثراك وعندما دافعت عنك وعنها الحقوني بها).
وضع العراق يده على راسه وراح يصك اسنانه بقوة، نظرت الارض له وبأحضانها طفلة تمسح بكفيها الحانيتين على رأسها... شعرها الحريري تبلله قطرات اظنها دموعها، ثيابها النظيفة لا تدل على بؤسها لاتشابه حالتها من سبقوها، نهضت الطفلة من ذلك الحضن تقربت من عراقها وقفتْ امامه تخاطبه بهدوء: (جثة أبي.... عناقه الدافئ... زيّه الحربي تدفئتُ به بعد ماعاد مخضبا بدمه فاخذني دفئه الى حيث هو).
وهناك قطع كلامه مع الطفلة، صراخ جنين تقرب منه عراقه سأله عن حاله اجاب: إنه ابن الخطيئة التي ارتكبت على ظهره فدفن بقماطه، تعالى صراخ الاطفال وقفت أمهم الارض وقفة ملئى بالهيبة توجهت الى ذلك البلد التي من ضمنها ترابه.. أطرق برأسه، وضعت يدها تحت فكه رفعته اليها نظرت لعينيه المحمرة ونظرته المنكسرة بنبرة اعتراها الهدوء قالت له: أخبرهم... اجبهم.... لاتدعهم يكرهوك ويؤنبوك رفع رأسه اليها
نظرت اليه بعطف... اعطته أمانها.
توجه بخطوات واثقة جهة الاطفال، اقترب منهم توجسوا منه خيفة، خاطبهم بصوت أبوي دافئ:
يعزّ عليّ ماحصل لكم وماعانيتم لكن هي تلك المشيئة التي اختارت أرضي أن تكون محتضنة لأطهر الدماء بعد أن احتضنت أجساد الأنبياء سموت مرتبة على جميع الأراضي فبدأت رحلة الدماء فمن دماء رأس أمير المؤمنين الى تلك الفجيعة التي جرت وسط روحي فقُطِعت الرؤوس وتناثرت الاشلاء وسبيت النساء والأطفال من ذلك اليوم وترابي يستنشق عبير الشهداء ويحتضن أجسادهم ويرى سمو أرواحهم الى هناك حيث جنان الخلد فكل جثة طيبة طاهرة تسقط على أرجائي تحط قدم الزهراء عليها السلام لتتلقفها وتعلو بها الى بارئها..
ياأطفال أرضي كُتِبت عليكم المعاناة لانكم أوراق لجذور الانسانية التي زرعها سيد الشهداء، اشار اليهم بيده: تعالوا الي... تعالوا ياأطفالي فقد رَبِيَ على وطنكم ابطال سيأخذوا بثاركم ويحفظون اخوانكم ويصونون أمهاتكم..
فترابي الذي يحتضن دماء الشهداء لا يسقي ابناءه الا غيرة واباء، تقرب منه الاطفال واحتضنوه، نظرت اليه الارض بابتسامة مشجعة، حملهم على ظهره وبدأ يعيدهم كلٌ الى مكان نومه انتهى منهم نظر الى الافق حيث صعدت أرواحهم الى بارئها بسلام مطمئنة، وعاد العراق يحتفل مع ابناءه بتحريرهم لموصله..
اضافةتعليق
التعليقات