نعيش حياتنا اليوم بصورة آلية لانعرف من يتحكم بها، حيث تمضي بنا الايام في عجل وتحمل بين طياتها هواجسنا وقلقنا ازاء كل شيء، تعتلينا الوساوس وترهقنا الرتابة، نعجز عن التفكير في حيازة احلامنا المتوهجة فإرادتنا الخائرة وقوتنا الركيكة تجعل من هذه الاحلام شمعة تحترق امامنا الى ان تُصبح ذكرى ..
كثيرون هم من نراهم احياءا على قيد الموت، لا يُستدل عليهم بعنوان، ولا يمتلكون ذخرا أو ذخيرة وكأنهم وجدوا فقط ليشغلوا حيزاً من الفراغ!.
يستيقظون صباحا يرتشفون القهوة ويخرجون بنصف عَزم وقِلة أمل للبحث عن عمل اي كان نوعه، بأرواح بالية وعنفوان مُعدم، يَتَغصبون انجاز ما وكِلَ اليهم لكي يتقاضون أُجرتهم التي تكاد لا تسد رمقهم وعائلاتهم لهذا اليوم، ثم يعودون ادراجهم مُنهكين مُقتنعين بما حصلوا عليه غير مُكترثين لأمر الغد فإنه إن اتى سيكون اشبه بالامس!.
ومنهم من لا يخرجون اصلاً وينتظرون من يتصدق عليهم أو من يأتيهم بالمؤونة مجبراً! ومنهم من يمتلكون المعرفة ويتمتعون بالخبرة لكنهم يحتفظون بها لأنفسهم فقط ولا يشاركون في ابداء رأيهم بأي شأن كان ولا ينهون عن منكر قد رأوه بأم اعينهم ولا يقومون بعمل معروف يستطيعون قيامه، متجنبين التعب وان كان ينفعهم! وهكذا كل يوم حتى يفارقون الحياة ببلادة تامة ويرحلون وكأنهم لم يكونوا!.
هؤلاء ضحايا من يا ترى؟
ان كنت لا تشكو من مرض مُزمن يَستنزف طاقتك أو من إعاقة ما تُعرقل سير عملك، وقد منّ الله تعالى عليك بالسلامة والعافية وأعطاك عقلاً نيراً وقلباً قوياً، فإنك بذلك لا بد لك ان تكون شخصاً ناجحاً في مجال ما، علماً بأن كُل انسان على وجه هذه الارض يمتلك الفطنة تجاه عمل معين وبإستطاعته وبكل جدارة الحصول على مركز مهم أو إسم معروف يميزه عن غيره في المحيط الذي يعمل فيه أو الاختصاص الذي يعمل عليه وان كان بسيطاً، او يستطيع على الاقل توجيه الآخرين وتعليمهم ما تعلمه ولا شك في ذلك اطلاقاً..
وانما هناك الكثير ممن تشكوهم الحياة وترثي حالهم، يستنفذون اوكسجينها عبثا ويستهلكون ايامها اعتباطا ويستفرغون عليها خيباتهم من شدة تفريطهم، تقاعسا وخمولا!.
هؤلاء هم ضحايا انفسهم، انهم من اختاروا الحياة على قيد الموت بإرادتهم غير مكرهين، يستحيل على أحد اي كان سلب مكانة احد عند نفسه او المحيطين به ما دام مجاهدا وواثقا من قدراته، لان الفرد بذاته هو من يبني كيانه ويجمل مكنونه، هو من يعز نفسه ويرفع شأنه هو من يختار ان يكون سيدا محترما او عبدا ذليلا ..
(هًو آلّذٍيِ جُعلّ لّگٍمٌ آلّآرض ذٍلّولّآ فُآمٌشو فُيِ مٌنآگٍبهًآ وگٍلّوآ مٌن رزُقهً وآلّيِهً آلّنشور) سورة الملك آية (١٥).
قد حث القرآن الكريم على العمل الصالح وطلب الرزق بآيات عديدة، فكُل الانبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا من العاملين والكادحين وقد أكلوا من كَد ايديهم وعرق جبينهم ودعوا الناس الى عبادة الله الواحد وسلك طريق الصواب بالتمسك بمبادىء الدين، وهم افضل الاولياء والصالحين..
فعلى الانسان ان يسعى في طلب الرزق الحلال ويواضب على القيام بالعمل الصالح الذي ينفعه وينفع الناس ليكون فرداً منتجاً فعالاً وليس عالة على المجتمع، يُوفر لنفسه واهله مكانة بين الناس وحياة كريمة في ما يرضي الله فيرتفع مقامه عند ربه تعالى ويشعر بمدى اهميته ويفتخر بعزة وكرامة، فذلك خيراً له من سؤال الناس واستعطافهم عليه ان كان بالمال او العلم حتى يعتاد الذُل والشفقة فتهون عليه نفسه بتقديمه حجج واهية كقوله: (انا قليل الحظ، يصعب علي التعلم، لم اجد عملاً يناسبني، لا انفع لهذا العمل، هذا هو توفيقي وقدري والخ..!) ويُمسي كالدابة في الارض وإنما بعض الدابة افضل وأعلى شأناً لكونها تدر نفعاً رغم كل ما تُعانيه ..
كيف للانسان المسلم المؤمن العاقل ان يحيا متقاعساً امام بناء ذاته ويجلس كالاخرق، يُهدم مكونات شخصيته وصفاته الانسانية المعهودة لتسقط واحدةً تلو الأخرى دون أن يستشعر ذلك! وهو ينظر لمن مثله ومن لم يختلف عنه بشيء قد بنى صرحاً عالياً وسطع نجمه في سماء الناجحين، بل وحتى بعد ان يرحل عن هذه الحياة فإن ذكراه ستبقى ومسعاه سيُشكر من قِبَل من بَقيَّ بعده وسيُذكر عند اهله وصحبه والناس بالخير والرحمة.
هذا وعلى الفرد ان يقتدي بمن هو اعظم مثل الذي تَرك خلفه بصمة تتوهج ولن تمحى من قاموس البشرية وخير مثال على ذلك في ذكرى هذه الايام الأليمة (الأمام الحسين عليه السلام) فهو غني عن التعريف سبط رسول الله وحبيبه وابن وليه، وخير إمام لأمته إلا انه لم يكتفِ بذلك وجاهد خير الجهاد وعمل على دحر الباطل ونشر كلمة الحق ليُقتل ويُقطع على يد اشقى اشقياء ذلك العصر فَلُعِنوا جميعهم وخُلدت ثورته وذكراه ليبقى حياً هو ومن نصره في ضمائر الاحرار ..
ان الله تبارك وتعالى فضّل الانسان عن باقي المخلوقات ومَنَّ عليه بحسن الصورة وجَمَلهُ بالعقل، وارسل اليه الرسل والانبياء وعلمه ما لم يعلم وسخّر له ما تحت الارض وما عليه واكثر من ذلك، ليحيا منعماً مكرماً .
(يِآ آيِهًآ آلّآنسآن آنگٍ گٍآدحً آلّى ربگٍ گٍدحًآ فُمٌلّآقيِهً) سورة الانشقاق آية "٥".
وهنا يتوجب عليه العمل واختياره لعَمَلِه فإنه سيلاقي خالقه به ان كان خيراً فسينجيه من سخطه وان كان شراً فسَيَهلُك، وسيجزى بالآخرة على قدر ونوع اعماله في الدنيا، عليك ادراك حقيقة أنك راحل لا محالة من حياة فانية، فلا تكُن حياً على قيد الموت بل اسعى لتكُن ميتاً على قيد الحياة الآتية.
اضافةتعليق
التعليقات