"الكلمة الطيبة صدقة" حديث معروف تتناقله الألسنة وتعمل به العقول الراجحة وكما يطيب اللسان تطيب الروح وتطيب الأعمال إذا ما زكت.. ولكن هل نحن مسؤلون عما يصدر من كلمات اتجاهنا سواء أكانت كلمات ذم أو مديح.
"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" ولكننا لسنا مسؤولين عما يصدر من الرعية اتجاه الراعي.. فالراعي هو من يرعى ويسهر على راحة رعيته ويسامح ويغفر ويكظم ويبادر إلى الاصلاح وإلى ازالة سوء التفاهم مابينه وبين الرعية ولا يحمل في قلبه ضغينة اتجاه من يسيئون إليه بل يسعى بالمحبة إلى اشعارهم بخطئهم حتى إذا ما انتبهوا اعتذروا وصاروا أقرب إليه من الشعار(١).
وكم من كلمة قبيحة تصدر من انسان في حالة غضب وضعف ويعلم أنه لا يعنيها وكم من فعل يقوم به الانسان قاصدا تنبيه أخيه فإذا بالأخ يحقد عليه ويرديه.
كذلك في روابط الدم والقرابة كثيرا ما تحدث المنازعات جراء كلمة غير مقصودة فالتماس العذر للمخطئ والمسيئ سبيل إلى اصلاحه.
وقد جاء في الأثر: ضع لأخيك سبعين محملا فإن لم تجد فثمانين ولا يظنن أحد بأخيه شرا حتى يتبين منه ذلك ولعل باللسان ما لا يوجد في القلب ولعل في القلب ما يفقد باللسان وقد يخون التعبير صاحبه ويبدي أمرا قاصدا غيره وقد يغفل أو ينسى أو يسهو أو يغفو.
وغالبا ما يشجع على الكلام الطيب والأخلاق الحسنة في التعامل وابتغاء الكمال فما يصنع من لا يجيد ويسعى ولا يدبر ويرجو فيقصر.
وقد قال أحد الحكماء: ضع أمر أخيك على أحسنه. وكما تدين تدان. وغيرها من الحكم التي تدعو الانسان إلى التريث وعدم اصدار الأحكام المسبقة إلا بعد التأني والحذر هذا في العلاقات الاجتماعية والأخبار الاعلامية والأحكام القضائية والارشادات والفحوص الطبية.
ففي التأني السلامة وفي العجلة الندامة وكما في المجالات كافة كذلك في الفقه الاسلامي والمسائل العملية والعلمية.
وقد ذكر أحد المشايخ والعلماء أنه يبتعد عن اصدار أي حكم أو فكرة عن شيء مجهول قد لا يفهمه أو يعقله او يدركه حتى يأتيه برهان من وجوده أو عدمه.
فالانسان معرض للهوى في كل وقت وقد قال الامام علي عليه السلام: اخوف ما اخاف عليكم اتباع الهوى وطول الامل. فقد يخاطب الزوج زوجته في حالة غضب ويبدي لها كرها وعدم مبالاة وقد يصدر الأمر منها ولكنها سرعان ما يتآلفان من جديد.
وكما بين الزوجين بين الأخوة والأخوات والآباء والأبناء والأصدقاء. فلا بد من سعة الصدر ورحابة الفكر وعدم التشبث بالجراح ليسير مركب الحياة بأبهى حلة وتجري الأوقات بأرقى سعادة ويعيش المرء في الهدى والسكينة.
وقد يقول القائل جاء في القرآن الكريم مايدل على وجود العداوة كما في قوله تعالى: (يا أيها الذين امنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدو لكم فاحذروهم).
لكن تتمة الآية: (وأن تعفو وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم).
(وهذه ثلاث درجات لصفة واحدة هي التنازل عن الحقوق الشخصية بالسماحة وسعة الصدر لصالح الأسرة وينبغي للمؤمن أن يسمو بنفسه إلى آفاق الحلم والسماحة تخلقا بأخلاق الله ويتحمل بعض الاساءات من أجل جذب أـسرته إلى الرسالة)(٢).
وكما يصلح الفرد يصلح المجتمع إذ إنه اللبنة الأولى ومن أعماق التجارب تؤخذ العبر لذا قد يتعلم الانسان من تجربته الشخصية أو من تجارب الآخرين ما يغنيه عن الوقوع في وديان الطريق المهلكة فكم هي مؤلمة المعلمات والعاقل من انتفع من تجارب غيره..
ولعل اللطيف يجذب القلوب المرهفة فلا تقع في الابتلاءات والمصاعب ولا ترى العيون المطمئنة أحبتها فريسة عوالم الامتحانات وعرضة القضايا والشقاء لتهنىء الأرواح مابين الصفاء والألم.. وأخيرا لعل في أحرف كلماتي أنوارا بددت غبارا كان على قلب.
(١) الشعار: الملبس
(٢) من هدى القرآن للسيد تقي المدرسي
اضافةتعليق
التعليقات