أن تمطر السماء ماءً فذاك يشعرنا بالأمل، بالفرح، فحين كنا في ظل والدينا وتحت رعايتهم نتابع حبات المطر من النافذة بسعادة وشغف وما ان تتوقف السماء عن المطر نخرج انا واخي للعب واللهو، نركض ونتقافز، نحلق بأحلامنا عاليا كعصافير خرجت من اعشاشها بعد انقطاع المطر، عيون والدينا تتابعان لعبنا في حديقة المنزل...
أما ان تمطر السماء نارا فهذا ما لم يكن بالحسبان فحتما بعد ان تتوقف ألسنة النيران وتهفت اعمدة الدخان سيستحيل البيت إلى رماد مخلفا خسائر لاتعوض بثمن...
ماأقسى الحرب على قلوب حديثة عهد بالألم تستبدل أحلامهم كوابيسا وتملأ قلوبهم بغيوم حزن لايمكن أن تنقشع، فتسلب منهم الحياة لتتركهم جسدا يحتضر لا هو لعالم الدنيا ولا هو راحل مع الذين رحلوا، أخذت منهم اعز مايملكون تاركةً إياهم لذكرى سعادة مضت وحل مكانها الحزن..
لاتزال كلمات تلك اليتيمة تخرم مسامعي مع انها كانت تتحدث بصوت منخفض تتخلل كلماتها الحسرات..
لم اكن اتخيل ان التقي باليتامى لأتحدث معهم في يوم ما، فكثيرا ماكنت اهرب من النظر في عيونهم مباشرةً خوفا من ان يلوح لي ذاك الحزن الذي اخشاه...
لم يكن بوسعي الاستماع لكلماتهم لأني كنت اعلم اني سأنهار بمجرد ان تنشر حروفهم على حبال الالم، ولكن لم يكن لي الخيار من امري فحين قررت الكتابة عن الامام علي (ع) بمناسبة عيد الغدير لم يتبادر لذهني سوى اليتامى وهو ابو الايتام وما اكثرهم في بلدي!.
الكلمات والدموع في سباق مع القلم، شعرت اني مكلفة بعمل انساني يحتم علي ديني وانسانيتي القيام به فلابد من ان اشجع نفسي واتماسك واتجرء للنظر بعيون اليتم لأسأل عما سيذيب القلب ويأجج نيران الفراق سماعه، فلا يعقل ان ابخل بدمعات وقليل من الحبر على صغار ايتمهم القدر واخذ منهم والد كان يوفر لهم حياة كريمة ووالدة كانت تحنو عليهم وتضمهم تحت جناحها كحمامة، دون ذنب يذكر أبرياء حلقت ارواحهم إلى سماء الخلود تاركين أولاد صغار يجارون قسوة الحياة بعمر صغير..
انعقد لساني ونسيت ماجئت من اجله حين نظرت في وجه اخيها الأصغر الذي ارتسمت على جبينه غمامة اليتم لتميزه عن اقرانه جمعت في ملامحه جميع معاني الحزن ولوعة الرحيل... انفجرت شفتاه عن كلمات تذوب لها القلوب وتدمع الاعين؛ كان والدي يحضر لنا ملابس العيد وأمي تحممنا وتحضر لنا مانشتهي، فقدناهم مرة واحدة بقينا وحيدين، تهجرنا بتهمة أننا روافض!.
صغير بسنواته السبع علمته الحياة الوان الالم، كبير بهموم تثقل كواهل الرجال، اختصر معاناته بكلمات معدودة، حاولت عابثة ان اتخلص من شعوري بالحزن لأستطيع ان اسألهم؟ فجال طرفي في ارجاء المكان الذي اختاروا بأن يكون مصدرا لكسب رزقهم وتوفير لقمة العيش..
اخرجت الصغيرة صورة من ملابسها كانت الصورة تشع سعادة، لقطة جمعتهم بوالداهم، هم ايضا القوا نظرة عليها ولاحت في عيونهم دموع لأيام مضت لأناس رحلوا وتركوا في القلب لوعة وفي الحلق غصة.
لم استطع التعليق سوى بكلمات خرجت من أعماق قلبي؛ اين انت يا ابا اليتامى ياعلي من يتامى العراق، صغار يعملون لجلب لقمة العيش بدل من ان يتعلموا في المدارس كباقي اقرانهم، مسروقي الطفولة، مجروحي المشاعر، محرومي الحنان، وانت راعي اليتامى وتوصي بهم حتى في لحظات حياتك الأخيرة وانت تقول؛ الله الله، في الأيتام فلا تغبوا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم فإني سمعت حبيبي رسول الله يقول مَنْ عال يتيماً حتى يستغني عنه أوجب الله له بذلك الجنة".
يا علي لم يكن لهؤلاء الأطفال من ذنب سوى انهم ولدوا في بيت موالي لك لتتحول حياتهم الى البؤس وهذه المعاناة، يا مولاي ضاع اليتامى وغبت افواههم، يلهثون لكسب قوتهم رغم سنوات عمرهم القليلة، وليس من راحم لهم في بلد من أغنى بلاد العالم، وما زينب وأحمد إلا نموذج من أطفال كثيرين فقدوا المعيل وراحوا يواجهون قساوة الحياة بمفردهم، ياعلي استودعك يتامى العرق وانت خير من يحفظ الوديعة.
اضافةتعليق
التعليقات