- تشير كل المعطيات الى ان افة الفقر انتصرت على الامم
- الأسرة المتصدعة والمنهكة برأيهم عاجزة عن القيام بأي مسؤولية في تربية الأطفال
منذ ما يقرب من خمس سنوات والحديث عن الفقر والفقراء يشغل وسائل الإعلام وأمكنة المؤتمرات العالمية والمحلية، يأتي هذا الانشغال تلبية للاستحقاق الذي أقترب أجله من أجل القضاء على الفقر، بفعل هذا الاهتمام تزايدت الدعوات الداعية للقضاء على الفقر أو الحد من قدرته السحرية على تحطيم النفس البشرية، لكن لا جديد في هذه الدعوات، فالفقر أقوى من أن يباد أو تخفف وطأته. ألم يقل فيه الإمام علي ابن ابي طالب (ع) (لو كان الفقر رجلا لقتلته) وهذا يستدعي مزيداً من التقصي والبحث من أجل إحكام المعادلة اجتماعيا وسياسيا، فمادام الفقر باقياً وهو أقدم من الغنى والحديث عنه يأتي متقطعا وفي فترات متباعدة فلابد من وجود خيط آخر غير واقع الفقر. ...لذا يمكننا القول إن دعوة مكافحة الفقر ترتبط بانتشار الغنى والثروة في صفوف فئة ضيقة تكون ثروتها الخاصة من موارد يفترض فيها أن تكون موارد عمومية لكل الناس، ما يؤكد ذلك أن تلك الدعوات لا تصدر عادة من مراكز القرار وإنما من قبل الفئات الهامشية والمحرومة أو من قبل الجهات المتحالفة معها. تستدعي هذه النتيجة منا الرجوع قليلا إلى الأساس الذي ينطلق فيه الفقر وهو انعدام الحرية كما يقول فيلسوف الفقراء الهندي (امارتيا صن) في كتابة الرائع (التنمية حرية). إذن فالحديث عن الفقر الذي ينشغل به البعض لا يعدو أن يكون صفقة سياسية ورصيدا يمكن المزايدة عليه في المحافل الدولية، فوجود قائمة طويلة من البيوت الآلية للسقوط ووجود آلالاف الأسر تعيش على تبرعات ومساعدات وزارة التنمية يعني فيما يعني خللا في توزيع الثروة والعدالة الاجتماعية وحدود حرية القدرات وتنميتها، ويعني أيضا أنها لم تظهر فجأة هكذا، فالفقر يبني نفسه تراكمياً فنحن نتكلم عن مسيرة أعوام كثيرة من ظهور أول دعوة لمكافحة الفقر والنتيجة أنها كانت شعارات ومطالبات ورقية. فالفقراء ظلوا فقراء لانعدام حيز القدرة المتاحة لهم للخروج من فقرهم، وظلت الدولة تصرف معونات وكذلك فعلت الجهات المحسنة. لقد بقي الفقر لأن التحالف من أجل الحرية قد تعرض للانهيار والتمزق، الأمر الذي يستدعي مؤسسات المجتمع والدولة إلى بنائه مجددا على أسس الحرية وقدرتها الخارقة في مكافحة الفقر لا مكافحة الفقـــراء.
من هذا المنطلق بدأت تحقيقي هذا لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء هذه الظاهرة وهل من حلول جذرية لحل المشكلة.. وكيفية المعالجة الحقيقية لهذا الموضوع العقيم ..
يقول جبار صاحب مهندس إن أسباب الفقر في العالم العربي والبلدان النامية هي الحروب المتعاقبة والنزاعات المسلحة والطائفية التي خلفت دماراً ولازالت تنهج نفس الطريق وكذلك الحصار والعقوبات الاقتصادية والغزو وعدم المساواة والحرمان الاجتماعي والجشع والتسلط والحكم الاستبدادي المستعبد واهمال الموارد الطبيعية والتفاوت الكبير في الدخل وارتفاع نسبة النفقات العسكرية والانفجار السكاني.
اما عذراء الحرباوي مدرسة كومبيوتر فأشارت إن العولمة أدت الى انتقال رؤوس الأموال من الدول النامية الى الدول الغربية وتشير كل المعطيات إلى أن آفة الفقر انتصرت على الامم، واذا لم يتم تكسير حلقاته المتشابكة فلن ينجو أحد من آثاره المدمرة ولسوف تنجذب أكثر الدول الغنية سواء الغربية ام العربية الى مستنقع عميق اذ اصبح من المستعجل ومن الضروري حل ومعالجة مشكلة الفقر الذي يهدد العالم برمته فالكل مسؤول ومدعو للمشاركة والعمل الجاد لبناء مجتمعات تتوفر فيها المساواة والحقوق والعدل من اجل تقوية اواصر التعايش والتوافق بدلا من التمزق .
ام محمد ربة بيت فتقول وبكل بساطة اتمنى ان تعم الرفاهية على الشعب بأكمله وليس فقط على طبقة المثقفين والدارسين فظروف بلدنا والحروب جعلت الكثير من الأسر العراقية اجبار أولادها على ترك المدارس والتعليم بسبب الظروف القاهرة فهؤلاء يحتاجون العون والمساعدة ليعيشوا بهدوء وطمأنينة.
تقول الست لمياء الطائي معيدة في الجامعة: إن جميع الشعارات البراقة التي تعبر عن اهتمام الدول لا تعبر في واقع الحال عن الواقع رغم أهدافها النبيلة إنسانياً إلاّ أنها كما يبدو لم توفق في اختيار شعارها الذي لا يعبّر عن واقع حال الفقراء العاجزين عن النهوض بسبب سياسات الدول الكبرى وحروبها التي تفرضها على عالم الفقراء، لذلك يستمر مؤشر الفقر العالمي صعوداً.
جنوح الأحداث.. سببه الفقر أم التفكك الأسري؟
يقول محمد م.م.عزيز نايف استاذ التربية وعلم النفس في كلية التربية جنوح الأطفال وانحرافهم، ظاهرة اجتماعية سلبية آخذة في التنامي والازدياد رغم كل ما بذل من جهود دولية ومحلية حاولت الحد من استشرائها.. وقد اعتبر بعض المفكرين والباحثين الاجتماعيين أن انحراف الحدث هو سلوك اجتماعي عنيف يمكن ملاحظته ومعاينته وذلك نتيجة انفكاك أسري وعدم استقرار العائلة التي يحكمها التشتت والضياع نتيجة غياب رقابة الوالدين.. فالأسرة المتصدعة والمنهكة برأيهم عاجزة عن القيام بأي مسؤولية في تربية الأطفال وخاصة فيما يتضمن تلبية احتياجاتهم ورغباتهم الأساسية من مسكن وملبس ومأكل ومن تعليم أساسي قادر بعض الشيء على توازن الطفل وعدم انجراره إلى رفاق السوء إذ يكون الحدث هنا ضحية لواقع اجتماعي متفكك ويقع على كاهلنا في هذه الحالة مسؤولية إنقاذه وإعادة بنائه ودمجه بالمجتمع مرة أخرى.. وأن الفقر عندما يصيب الحدث في ظل تفسخ العلاقة الأبوية فإن سبل العيش تضيق به حتى لا يجد أمامه إلا التشرد والتسول وارتكاب الجريمة والانحراف ملخصين ذلك بمجموعة مؤثرات تؤدي إلى الإحساس باليأس والإحباط تجلت في ملامح العوز وعدم الكفاية المادية أو الروحية..
شيماء معلمة مدرسة تقول: إن عدم الاستقرار الأسري له أثر كبير في انحراف سلوك الطفل وتزداد المعاناة أكثر في شعوره بأنه غير محبوب من طرف عائلته ولاسيما أن جل الأطفال المنحرفين هم نتيجة سوء التفاهم في طبيعة العلاقات الأسرية والشعور بعدم الحنان والعطف من قبل والديهم الذين يميزون بين أولادهم بشكل مخيف وغير عادل! من هنا يكون الخطأ كما تقول ميادة فالحدث سينظر إلى أقرانه خارج الأسرة ما يجعله يخرج إليهم ويعمل معهم ضمن الممنوعات والمحظورات..
أسباب جنوح الأحداث؟
المحامية مها الطويل تقول: إن الحدث من وجهة نظر علم الاجتماع والنفس والقانون هو الصغير منذ ولادته حتى يتم له سن النضج الاجتماعي والنفسي وصولا إلى سن الرشد، وإن أسباب انحرافه تكمن في سوء حالة الأسرة من انفكاك الروابط العائلية إضافة إلى الفقر والحرمان والبؤس وأسباب اقتصادية ودينية فهذه العوامل إن اجتمعت معا فان الطفل يخرج مجرما بالنهاية، فالفقر على حد زعمه داء خطر يولد عدم الثقة بالنفس والانجراف إلى النزوات الشخصية مثل ارتكاب الجريمة والسرقة من أجل المال وغيره. كما أن هناك عوامل أخرى تبقى مهيأة لاستفحال الأسباب السابقة مثل رفاق السوء، الذي لا يتأثر بها إلا من كانت تربته مستعدة إلى الانحراف مسبقا.. إضافة إلى العوائق النفسية والجسدية التي تتخذ طابع السلوك الإنساني وما تؤثره الأمراض النفسية وخاصة العصبية التي تدفع الفرد إلى التصرف بسلوك غير طبيعي، ولا ننسى أوقات الفراغ التي يشكو منها الكثير فالبالغ يضبط نفسه أما الحدث فهي مشكلة أمامه وخاصة إذا ما كان نابذا وكارها للمدرسة.
اما اصحاب الاختصاص في الاقتصاد فأجمعوا ان اهم الحلول للتصدي لانتشار الفقر في العالم العربي والدول النامية ومنها العراق،انعاش الاقتصاد وخلق المزيد من الفرص الاقتصادية وتوزيع الموارد توزيعاً عادلاً. واختيار حكومات نزيهة ومتمكنة وقادرة على خلق وظائف واشغال متعددة من خلال توفير جهاز بيروقراطي باستطاعته تطوير القطاع الخاص الذي عد لبنة المجتمع والحد من الانفجار السكاني الذي يهدر الموارد والطاقات معا وكذلك تقليص النفقات العسكرية والتسلح والحد من اللامساواة الطبقية والالتزام بالقرارات السياسية للمؤسسات للدول المانحة التي لا يجب أن تقتصر خدماتها على تقديم الغذاء والادوية بل يجب أن تخلق برامج فعالة للحد من هذه المعضلة بصفة متواصلة ومستديمة..واختيار حكم رشيد يتسم بالشفافية والنزاهة واتخاذ التدابير للدفاع على المساواة وخلق فرص اقتصادية التي تضمن آفاق تنموية واسعة ومحاربة الفساد الاداري وعدم تجاهل القطاع الخاص.
وأخيرا وليس آخرا إعادة النظر في التفاوت الكبير في سوء التنظيم والادارة في الظروف الصعبة وغير المستقرة لأن التشنج والاهمال سبب في النزاعات الداخلية وهي الأقسى والأظلم والتي تؤدي إلى أوضاع مزرية.
كل ما سبق يتضح لنا من خلاله ان الدول الغنية هي التي تتحمل الجزء الاكبر مما الت اليه اوضاع البشرية وتتحمل كذلك مسؤولية التلاعب في تحويل مجاري الوضع الاقتصادي العالمي الى عملية نهب ثروات دول العالم بطريقة مباشرة وغيرها وتكديسها في رفوف خزائنهم ويزدادوا غنى ويزداد عدد الفقراء ومعروف أن معالجة الفقر في القدم كانت تعتمد حلولاً إنسانية مثل الصدقة ومن منطلق العطف أو التضامن، وهذه اتخذت بعداً دولياً في حالات الحروب والكوارث.. فيجب ان نرفع مسألة معالجة الفقر الى مرتبة التحدي الأخلاقي الأكبر من منطلق أن الفقر لا يمثل انتهاكاً لواحد من حقوق الإنسان وإنما يمثل انتهاكاً لجميع حقوقه..
اضافةتعليق
التعليقات