عندما أبصرُ السياسة الإعلامية لمجموعة من الفضائيات العربية، ثم أعطفُ عليها الحالة الثقافية الكارثية التي انحدر إليها الجمهور العربي، إذ ذاك أدركُ أنّ المخطط لهذه الأمة من مشاريع هدّامة، والموضوع لها من أهداف بعيدة، كلُّ ذلك يسيرُ سيراً حثيثاً ومن دون أيّة معوّقات من أي نوعٍ، وبما يُثلِجُ صدور منْ لا يُضمرون الخير لأبناء هذه الأمة!.
موجة المسلسلات التركية تقتطع وقتاً ليس بقليل لدى المشاهد العربي، وذلك من خلال المتابعة المستمرة لهذه المسلسلات المدبلجة في العديد من الفضائيات العربية. لقد فرضت الدراما التركية نفسها على جميع الفضائيات العربية دون استثناء وتخطت مرحلة الظاهرة لتتحول إلى واقع مستمر تفرض دراما مختلفة في الشكل والصورة والمضمون وكأن وراءها تنظيماً تركيا قوياً يقدم ثقافة وسياحة وعادات هذا المجتمع مدعومة بمساندة حكومية كبيرة.
أصبحت قنواتنا الفضائية العربية تعج بمسلسلات الدراما التركية التي تقدم المشاهد الفاضحة والخادشة للحياء، وممارسات غير أخلاقية ولا مقبولة ولا تتناسب مع قيمنا ولا تنسجم مع مفاهيمنا. فلا عاداتهم تشبه عاداتنا، ولا تقاليدهم تشبه تقاليدنا، مسلسلات دخيلة علينا جملة وتفصيلاً... مسلسلات تركية تدس لنا السم بالعسل، وتناقش القضايا المهمة بأساليب مراهقة متهتكة، سلبت عقول الشباب من الجنسين، وانحدرت بقيمهم نحو الهاوية بما تعرضه وتطرحه من مشاهد غرامية مبتذلة، بمباركة ورعاية أقطاب العائلة الموقرة!.
لا نبالغ حين نقول إن المسلسلات التركية المدبلجة أحدثت ارتجاجاً ما في مفهوم العلاقات الأسرية لدى شرائح معينة ولاسيما أنها أسرت قلوب بعض المشاهدين في العالم العربي بما تقدم من أحداث وشخصيات رومانسية حالمة لم يتوقف تأثيرها على الكبار فقط، إنما امتد إلى الأطفال واليافعين الذين مازالوا في طور النمو الذهني والعاطفي فقد أصبحت هذه المسلسلات جزءاً من يوميات بعض المشاهدين. هذه المسلسلات تجنح للرومانسية وهي نقطة مفقودة في الدراما العربية، الأمر الذي جعلها تجذب الشارع وتغسل العقول والعيون برسائل ضمنية تهدف لبثها لتزعزع المجتمع بتحررها الزائد وجرأتها غير المألوفة التي نراها إلا في السينما.
''تسونامي'' الدراما التركية... ألهبت عواطف المشاهدين أو بالأحرى المشاهدات التواقات إلى الهروب من الضغوط الحياتية إلى عالم الرومانس والخيال والأحلام... وفي الوقت ذاته كانت غنيمة دسمة لمجموعة من القنوات التي استثمرتها شر استثمار، بمعنى... أنها بدأت بحملة إعلانية واسعة لقصص حب تشبع نهم الفاشلين فيها... لتسيطر على انتباههم... ويبدأ رش ملايين الدولارات رغبة بحجز وقت إعلاني لا يتعدى الثواني... وفيما بعد انهالت عروض لسلع ومنتجات أهمها موبايلات تحمل ميزة عرض حلقات لاحقة لتلك المسلسلات التركية المفرغة من أي مضمون ذي قيمة ولو بسيطة!.
اضافةتعليق
التعليقات